صور لا تريد الاحتفاظ بنا

18 أكتوبر 2015
(تصوير: محسن عمرين)
+ الخط -

احتفاء عربي "مخاتل" بصور فتيات فلسطين المتأنقات وهن يقارعن جنود الاحتلال. عبارات المديح تشيد بجمالٍ يقاوم بشاعة الإرهاب الصهيوني، وبشجاعةٍ تفضح جبْن العدو وإجرامه، وبزينةٍ كاملةٍ تلوّن صورةً نفضل أن نحتفظ بها من دون أن تمسّ واقعنا المهزوم بسوء!

"هزيمة" تشهد عليها فتاة خرجت من منزلها حالمةً بوطنٍ لا يدنسه الاحتلال، لكنها تخشى أن يأتي اسمها في خبر عاجل عن سقوطها شهيدة أو جريحة أو أسيرة، ثم يطويها النسيان مجرد ذكرى أو حالةً في سجل منظمات حقوق الإنسان الدولية.

وهي تحلم، في الصورة ذاتها، بزوال سلطةٍ تعيد إنتاج الوهم، وتتغنى بإنجازات المرأة الفلسطينية في الأعياد والمناسبات، شريطة أن لا يزعج ذلك الأوصياء على شرفها وسمعتها ومكانتها التي تفصَّل وفق رغباتهم المكبوتة التي تخفيها ادعاءات العفة والفضيلة.

وتتمنى، أيضاً، أن لا تكون رقماً ضمن إحصائيات في مسوحات تجريها جمعيات نسوية ومراكز بحثية تهدف إلى "تمكين المرأة"، بما يمنح فرصة للباحثين في الحصول على تمويل لدراساتهم، ويجلب للمبحوثات تكريماً أو قروضاً ومساعدات لعمل مشاريعٍ توثقها قصص نجاح لا تمحو آثار الإحباط والخذلان.

تصوير: توماس كويكس


ولن يغيب عن بالها، وهي ترمي الحجر، فرصتها الضائعة بدراسة أو وظيفة رغم نسب تفوقها المتزايدة، وحزنها على مجتمع يشرعن زواجها المبكر، وحرمانها من الإرث، وتعنيفها لدواعي التأديب والوصاية، وقد تنكر حقوقها الأساسية كاملةً، لصالح الاعتراف بها كأقلية تستحق كوتا في البرلمان وظهوراً رمزياً في الاحتفالات والمؤتمرات الوطنية.

كلنّا نشتهي انتفاضات وثورات تتحول سريعاً إلى مجاز وتعفينا من كل الأسئلة الحرجة؛ الذهاب صوب لغة تمجّد أبطالاً لا يخضعون لحسابات الزمن ومعاييره، فلا نعترف بهم كضحايا يريدون مقاومة لحظتهم من أجل تغييرها، إنما نريدهم البقاء خارجها، ونتمنى لهم أن يصعدوا شهداء إلى السماء لا أن ننصت إلى شهادات لهم تروي آلامهم ومعاناتهم.

نضع رسومهن على حيطان الفيسبوك أو خلفية لشاشات الكمبيوتر، ونهتف لنضالهن عبر وسائل الإعلام، فيما تود هذه الرسوم –إذا أُستنطقت- أن لا تحتفظ بنا ما لم نؤسس لخطاب جديد في مواجهة الاحتلال يؤمن بتعدد مجتمعنا وقواه، فلا تموت المرأة بوصفها أيقونة بل تعيش كما تليق بها الحياة!

تصوير: عباس مومني



(كاتب أردني/ عمّان)