صورة مبارك

30 سبتمبر 2014
مناصرة لمبارك أمام مقر المحكمة (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
كل ما يحصل في مصر منذ انقلاب 2013، مدروس بعناية يندر أن تصدر بالعادة عن عقل عسكري، خصوصاً في ما يتعلق بالإجهاز على الشعارات "الحساسة" لثورة 2011، والتي لا تزال قادرة على تعبئة تظاهرات وتحركات شعبية في الشارع. والعمل على قتل الشعارات الرمزية للثورة، مع ما يشكله الرمز عموما من أهمية في التعبئة لأي حركة تغييرية، أخطر حتى من القضاء على الرموز من الأشخاص أو الأحزاب، وأهم من الزجّ بالناشطين في السجون. وإن كان مصريو ثورة 2011 اليوم، يختلفون حول كل شيء، حتى على تقييم ما حصل في 30 يونيو/حزيران 2013، بين انقلاب أو محطة مضيئة ومكملة لثورة يناير، إلا أنهم لا يزالون يتفقون على مسلّمة واحدة على الأقل: حسني مبارك، بما يحمله الاسم من تلقائية في استيلاد المفاهيم: فساد، قمع، عمالة، قتل، استغلال... أي أصل المصيبة التي تكرّسه كرأس للنظام الذي كان يفترض أن يصبح مخلوعاً.

لكن منذ تسلّم المجلس العسكري الحكم، ومنذ مأسسة ذلك الحكم بانتخابات ومراسيم وقوانين، انطلقت رحلة إبطال الشعار الرمزي الأول للثورة، أي تغيير صورة حسني مبارك وولديه، عبر تجنيد الآلة الإعلامية الضخمة للحكومة، من خلال العمل على تطبيع مشاعر الناس مع صورة الرجل المسجون الذي لا تقدر المحكمة أن تصدر حكمها عليه فتؤجل ثم تؤجل وتؤجل الحكم، "لعدم القدرة على استكمال المعطيات". والتأجيل المستمر للنطق بالحكم لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال، خطوة بريئة موجبها قانوني، بل وسيلة ليعتاد الناس على مشاهدة الرجل المريض، العجوز لكن المتماسك بربطة عنق وبذّة أنيقتين، المحاط بحنان الأولاد... وكلها من عناصر تغيير صورة مبارك وما يرمز إليه في الوجدان الشعبي، بشكل تصبح صورة القاتل الذي فيه مقتصرة على ذوي الشهداء الذين سقطوا على أيدي أجهزته، بأوامر منه أو بموافقة على الأقل.

ثم يأتي قرار السلطات بالسماح للفلول الاشتباك مع الساخطين على التعامل القانوني الحنون مع مبارك أمام مقر المحكمة، أيضاً لمساواة الطرفين، وكتمهيد نفسي للتخفيف من حدة ردة الفعل التي ستصدر عندما يعلن القاضي حكمه المخفف جداً في 29 نوفمبر/تشرين الثاني.
المساهمون