صورة لتاريخنا

28 ديسمبر 2015

عبدالله العروي: النقاش اليوم حول مفهوم الحرية عمل عقيم

+ الخط -
ماذا كانت عليه سنة 2015 ثقافياً وفكرياً؟ وما حصيلة مطابع العرب؟ هل أصدرنا ما يكفي من الكتب وجادلنا قضايا عصرنا؟ وهل نقشنا حجراً آخر في بنيان أسئلة البشر منذ آدم وحواء؟ أم أننا خلال عام، كنا مثل بضاعة ردّت إلينا، كاسدة، مأواها الأخير مطارح النفايات وهوامش التاريخ التي لا تذكر، وما هو مخز من شرائع القتل والتدمير.
منتجنا الثقافي ينحدر، فإذا هو بلا هوية، ولا يعبّر عن مشاغل عرب اليوم، ولا طموحاتهم، وشرارات الفكر التي بدأت قبل أربعة عقود دوت، وأَرغمت على الانسحاب، ومن وثقنا بهم في مراحل من تدرّجنا الثقافي والفكري باعونا للمصالح الآنية، والقليل لا يزال يقف على الجبهة الأمامية للفكر، مقاوماً زحف جيوش البلادة ومروجي "الخدع"، ولاعبي السيرك المتخصصين في تنويم العقل العربي، وقتل ملامح الاستفاقات الجميلة التي تحدث هنا وهناك، لتذكّر العرب بأنهم "يستطيعون".
في هذا كله، يمضي الربيع العربي الذي كان، مثل لقيط مُتخلّى عنه، الكل يريد دحره أو نحره أو تسليمه جاهزاً لمن يأتي عليه.
يكتب المفكر المغربي عبدالله العروي، في كتابه "مفهوم الحرية" الذي صدر منذ عقود، متحدثاً عن هذه الكلمة التي حرّكت دوماً الشارع العربي، "لعل كلمة حرية أكثر كلمات القاموس السياسي استعمالاً عند عرب اليوم. حتى الكلمات التي تنافسها في الذيوع، كاستقلال وديمقراطية وتنمية، تستعمل في الغالب مرادفة لها، بحيث لا نكاد نجدها إلا ملتصقة بها وملازمة لها".
ويمضي العروي في تحليل "لعبة شعارات الحرية"، حيث يشير إلى أنه طبقاً لذلك "يرفع الفرد شعار الحرية داخل أسرته، والمرأة في وجه زوجها، والطفل في إزاء أبيه، والأقلية في مقاومة الأغلبية، والأمة في مصارعة أعدائها، ويخفي الشعار أهدافاً متباينة أشد التباين". وينتهي العروي إلى أنه مهما يكن، لا يمكن أن نعيش تجربة الحرية بدون التعبير عنها.
خرج العرب في 2011، كل بطريقته وعلى شاكلته، وتصدّرت شعارات المطالبة بالحرية والانعتاق من الاستبداد المسيرات والمظاهرات، وهرب من هرب من الحكام، وحمل من حمل أجنحة اللهب ضد أبناء شعبه، وقتّلهم من دون رحمة، وما زال أبناء الشعوب العربية يشوون اليوم بالبراميل والقصف في سورية والعراق، في حين يترصّد الأكثر ذكاءً من أنظمة الحكم الشمولي تجارب ديمقراطية وليدة، لينهيها في المهد.
وكما يقول العروي، فإن النقاش اليوم حول مفهوم الحرية أو فلسفتها عمل عقيم، ولا يمكن أن يؤدي إلى شيء، بل حتى المطالب التي رفعها العرب، من أجل حريات مدنية، تسقط تحت ضربات سيوف التشدّد والتطرف.
فخلال هذا العام وحده، دبّج العرب مئات الكيلومترات من الصفحات، التي تحلّل ظاهرة داعش، أو تتحمّس لها، أو تقف على الخلاف معها، إضافة إلى آلاف الصفحات الضوئية، مخزّنة في محرك البحث غوغل تشهد على تعاطي الإعلام العربي وأطره الثقافية والفكرية مع ظاهرة دموية، تنتهك الحق في الحرية والحق في الحياة. وبين هذا وذاك، يكبر التساؤل: من يقف خلف هذا الإعصار الهمجي، وكيف تحوّل إلى آلة فتاكة بالبشر والقيم العليا للإنسانية بما فيها قيمة الحرية، التي خرجت من أجلها أغلبية جماهير العرب، فها هو المطلب العادل يواجَه بشريعة القتل المستلّة من الشعار المتلفّع بالدين.
يقدم العروي بعض الإضاءات، وهي مكتوبة قبل سنوات طويلة، يمكن أن تكون مساحة للتأمل في حالنا اليوم. فقد كان عندما يرهقه البناء النظري، يهرب إلى التأمل الفكري، يكتب عن جدوى ما عاشه، وما سيعيشه العرب، من صراع لا طائل من ورائه، هذه الصورة بليغة الدلالة: "ذهبت مع عصام (ابنه) إلى الشاطئ، يوم جميل مع هبوب ريح لطيفة. شيّدنا قصبة ببروجها الأربعة، والخندق المحيط بها. لامسها الموج، فزاد الرمل متانة. أنهينا البناء، فقرّر عصام أن نهدم القصبة، قبل أن نلتحق بمقهى الشاطئ. قلت: نذهب إلى المقهى، ثم نعود ونرى. ألحّ على الهدم، فكان له ما أراد. ذهبنا ثم رجعنا فلم نر شيئاً ممّا شيّدنا. فكّرت أن هذه صورة لتاريخنا".
6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..