يشعر سكان العاصمة اليمنية صنعاء باقتراب الخطر، ولا سيّما أن معطيات كثيرة تشير إلى معركة وشيكة فيها. لكنهم يختلفون في التعامل مع هذا الخطر المحتمل. وينقسمون بين الرحيل عن العاصمة والتوجه إلى مناطق بعيدة أكثر أمناً، وبين الإصرار على البقاء في منازلهم مهما كانت الظروف.
سامي الزبيدي واحد من هؤلاء الذين لم يجدوا حلاً سوى استقرار أفراد أسرته في ريف محافظة الحديدة (غرب) على الرغم من قسوة الظروف هناك، إذ إنها بالنسبة إليه بديل سكن أفضل من المدينة صنعاء، "خصوصاً وأنه في حال اندلعت مواجهات مسلحة في محيطها، من المتوقع أن يكون الأمر مسألة حياة أو موت". يقول لـ "العربي الجديد": "أبقيت أسرتي في منزلنا القديم في محافظة الحديدة على الرغم من الأوضاع السيئة التي تسببها ندرة المياه والغذاء وانقطاع التيار الكهربائي. لكنها بالتأكيد أفضل بكثير من البقاء في مدينة صنعاء التي تتعرض لقصف جوي مستمر، والتي يُتوقع اندلاع مواجهات مسلحة فيها يترافق مع حصار تنعدم خلاله أساسيات المعيشة".
يضيف الزبيدي أنه كان قد اضطر إلى نقل أسرته في إبريل/ نيسان الماضي إلى منزلهم القديم في الريف بعد اشتداد القصف على العاصمة، لافتاً إلى أنه يعيش منذ ذلك الوقت وحيداً في العاصمة، إذ إنه لا يستطيع ترك عمله ومنزله من دون حراسة. ويخبر أنه "خلال الأشهر الماضية، كلما هدأت الأوضاع بين حين وآخر، كنت أفكر جدياً في إعادة أفراد أسرتي إلى العاصمة. لكنني سرعان ما أبدّل رأيي، خوفاً من تحمل أعباء وتكاليف نقلهم لتندلع الحرب من جديد". يضيف: "الخطر لم ينته بعد". تجدر الإشارة إلى أن نحو 2.7 مليون يمني يشكلون أكثر من 10% من إجمالي عدد السكان اضطروا إلى ترك منازلهم، ونزحوا إلى مناطق مختلفة بحسب ما تفيد إحصاءات أممية حديثة.
اقرأ أيضاً: أمراض مياه اليمن
من جهتها، تفضّل أسرة خالد البعداني البقاء في صنعاء مهما كانت التحديات، مثل عشرات آلاف الأسر. لم تعد أمامها خيارات أخرى، خصوصاً بعد نفاد المدخرات مع انعدام الدخل، بحسب ما يشير البعداني. ويقول لـ "العربي الجديد": "كنا قد نزحنا في بداية الحرب إلى محافظة إب (وسط) إذ هي من المحافظات الهادئة، لكننا واجهنا صعوبة في الاستقرار فيها بسبب عدم امتلاكنا منزلاً فيها. وعدنا إلى صنعاء بعد أقل من شهرين من اندلاع الحرب في مارس/ آذار الماضي".
ويؤكد البعداني على أن أفراد أسرته قد تعودوا على أصوات الانفجارات وانعدام متطلبات الحياة اليومية، وأن أي مواجهات مسلحة في العاصمة لم تعد مقلقة بالنسبة إليهم. يضيف أنه كان يخشى كثيراً على أفراد أسرته في السابق، إلا أن الأمر تغيّر اليوم.
في السياق ذاته، يحرص سكان العاصمة هذه الأيام على شراء المواد الغذائية الضرورية مثل القمح والأرزّ والزيوت والسكر والبقوليات وبعض المعلبات، تحسباً لأي حرب مقبلة. هذه حال محمد النعماني الذي يعمد منذ شهر على تخزين بعض المواد الغذائية الضرورية استعداداً لأي طارئ. يقول: "أؤمن بأنه لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا، لكنني أخزّن الضروريات من المواد الغذائية التي تكفينا لأكثر من شهرَين كي نبقى في المنزل في حال اندلعت مواجهات مسلحة في العاصمة".
يُعدّ النازحون اليمنيون من أشد فئات المجتمع اليمني تضرراً من القتال القائم. وتجدر الإشارة إلى أن منظمة الأمم المتحدة كانت قد أكدت أخيراً أن نصف القتلى في اليمن تقريباً هم من المدنيين، وقد وصل عددهم الإجمالي إلى نحو ستة آلاف منذ نشوب الصراع في مارس/ آذار الماضي، في حين أصيب خمسة آلاف و659 آخر بالجروح. أما عدد الضحايا من الأطفال فهو 700 قتيل وأكثر من ألف جريح.
35 ألف قتيل وجريح
في جلسة عقدها مجلس الأمن أخيراً بطلب من روسيا لبحث الوضع في اليمن، قدّر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، ستيفان أوبرايان، العدد الإجمالي للقتلى والجرحى بنحو 35 ألفاً على أقل تقدير. وبيّن أن أكثر من 14 مليون يمني يُعانون من انعدام الأمن الغذائي، إذ بلغ سوء التغذية مستوى حرجاً لدى مليونَي يمني جلّهم من الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات.
اقرأ أيضاً: أطفال اليمن لا يلعبون "عريس وعروس"