صناعة السياسة الخارجية الأميركية.. العسكر هم الأقوى

28 اغسطس 2014
الرئيس الأميركي يعتمد على البنتاغون بغالبية قراراته الحساسة (Getty)
+ الخط -

يظهر أن هناك ارتباكاً وغموضاً في الولايات المتحدة، حيال ملفات السياسة الخارجية الأميركية ومن يصنعها أو يقررها. وتُعنى وزارة الخارجية الأميركية بصنع السياسة الخارجية، ولكن هذا الأمر غير مطلق، لأن الوزارة تنفذ السياسة، وقد تشارك في رسم بعض خطوطها ولكنها لا تحدد معالم السياسة الخارجية ولا تصنعها.

ويؤكد ذلك حرص وزير الخارجية، جون كيري، أو أي وزير خارجية أميركي قبله، على تأكيد أن الرئيس يريد كذا أو قال كذا، أو أن تعليماته تتطلب كذا. ومعنى ذلك أن الرئيس، على المستوى النظري والدستوري، هو المسؤول الأول عن رسم السياسة الخارجية، وما على وزير الخارجية وجيش الدبلوماسيين الذين يتبعوه إلا تنفيذ سياسة الرئيس. وبالطبع، لن يقول الوزير إن هناك مؤسسات أخرى مؤثرة تريد من الدبلوماسية الأميركية أن تتخذ هذا الموقف أو ذاك، مثلما أنه لن ينسب لنفسه قراراً معيناً حتى لو كان منسجماً مع إرادته أو كان هو ذاته من أقنع الرئيس به.

يعطي الدستور الأميركي، الرئيس اليد الطولى في صنع السياسة الخارجية مقابل تقليص صلاحياته الداخلية، ولكن هذا على المستوى النظري، أما على المستوى العملي، فإن من يستطيع أن يؤثر على الرئيس، هو من يصنع سياساته.

ومن المعروف أن الرئيس الأميركي لا يستقي معلوماته من جهة واحدة، فهو يخضع أيضاً أو يضع في حسبانه عوامل كثيرة ويستند إلى مؤسسات عدة في صنع القرار، ليست وزارة الخارجية سوى واحدة من هذه المؤسسات. كل ذلك مع العلم أن السفراء الأميركيين في الخارج يمثلون الرئيس ولا يمثلون الوزير، كما أن ما يقارب نصف الدبلوماسيين الأميركيين في الخارج يعملون بصفة أو بأخرى مع دوائر حكومية أخرى حتى وإن تبنتهم وزارة الخارجية شكلياً.

 وإذا كان الرئيس، هو المخول باتخاذ القرار، فإن الهيئات أو الجهات التي تؤثر على قرار الرئيس إلى جانب وزارة الخارجية هي:

مجلس الأمن القومي
مستشار البيت الأبيض للأمن القومي هو المنصب المؤثر جداً، ويشركه الرئيس كثيراً في مناقشة الملفات الحساسة، وحتى وإن كان من يعين في هذا المنصب لا يحتاج إلى مصادقة مجلس الشيوخ على تعيينه، بل يترك للرئيس الحرية الكاملة في اختياره. 

وربما أن وجوده قرب الرئيس، يجعله من بين أهم الأفراد المؤثرين، لكن مجلس الأمن القومي الذي يشارك في عضويته نائب الرئيس، ووزيرا الخارجية والدفاع، ومدير الاستخبارات المركزية، هو المؤسسة الجماعية التي تناقش فيها المرحلة الأخيرة من صنع القرار قبل أن يتخذه الرئيس المخول دستورياً باتخاذه.

وقد أضاف الرئيس باراك أوباما، إلى عضوية مجلس الأمن القومي، وزيري العدل والأمن الداخلي، كما أجرى توسيعاً لصلاحيات المجلس في رسم استراتيجيات السياسة الخارجية وتحديد الموقف الأميركي إزاء القضايا الدولية، وهو تغيير لم يحدث منذ تأسيس المجلس عام 1947. لكن ذلك لم ينعكس إيجاباً على سياسات البيت الأبيض بل مازال التخبط وعدم الوضوح هو السائد في هذه المرحلة.

 
البنتاغون
تقسِّم الولايات المتحدة، العالم إلى ست مناطق عسكرية لكل منها قيادة منفصلة لعل أهمها قيادة المنطقة العسكرية المركزية التي تقع في إطارها دول المشرق العربي وصولاً إلى أفغانستان.

وإذا كانت معظم بلدان العالم تقسم أراضيها إلى مناطق ومحاور عسكرية، فإن الجيش الأميركي ليس له أي دور داخل الولايات المتحدة وإنما دوره خارجي، ومن هنا تأتي أهمية البنتاغون في صنع السياسة الخارجية الأميركية.

ويمكن القول: إن وزارة الدفاع تنخرط في السياسة الخارجية بشكل مباشر على عكس ما قد يتصور البعض. ووزير الدفاع الأميركي هو أقوى صناع السياسة الخارجية الأميركية بعد الرئيس، وهو شخص مدني يتعاطى السياسة ولا يجوز له ارتداء الزي العسكري.

وقد يتم اختيار جنرال أو شخص ذي خلفية عسكرية وزيراً للخارجية، ولكن من المستبعد اختياره وزيراً للدفاع. ولهذا، اختير الجنرال كولن باول، وزيراً للخارجية وليس للدفاع، في عهد الرئيس السابق، جورج بوش، وقبل ذلك اختير الجنرال، ألكسندر هيغ، وزيراً للخارجية وليس للدفاع.

ومن المتعارف عليه أن كل صاحب منصب عسكري كبير في وزارة الدفاع، يجب أن يرأسه شخص مدني، فوزير الدفاع، هو الرئيس المباشر لرئيس الأركان ونائب الوزير لشؤون البحرية (المسؤول المباشر عن قائد البحرية)، وذلك من أجل الحفاظ على الطابع المدني للقرار السياسي وعدم إشراك العسكر في السياسة، وفقاً لما أراده المفكر والفيلسوف وثالث رؤساء أميركا، ثوماس جيفرسون، منذ المراحل الأولى لتأسيس الولايات المتحدة الأميركية.

وكالة الاستخبارات المركزية
لا يوجد في اسم الوكالة الرسمي كلمة الأميركية، حتى وإن أطلق عليها الإعلام العربي اسم الاستخبارات الأميركية، فهي ليست إلا واحدة من بين 16 جهازاً أمنياً في الولايات المتحدة.

ولكن طابعها العالمي وطبيعة عملها المتعلقة بالخارج وليس بالداخل، تجعل منها من أهم اللاعبين في السياسة الخارجية الأميركية. وتؤثر في صنع القرار عن طريق تحكمها في المعلومات.

وتفرغ الوكالة عدداً من أبرز محلليها لإعداد موجز يومي عن أهم أحداث العالم السرية والعلنية يقدم للرئيس كل صباح عن طريق "بريفر" (مقدِّم الموجز)، وهو أحد المحللين الذين يتولون الإجابة عن استفسارات الرئيس عن أية نقطة.

وكان الرئيس الأميركي السابق، بيل كلينتون، يفضل أن يقرأ الملف بنفسه من دون حاجه لمندوب "سي آي إيه"، في حين أن جورج بوش الابن، كان أكثر حاجة لوجود "البريفر" وأكثر من غيره توجيهاً للأسئلة والاستفسارات. أما أوباما، فهو كثيراً ما يطلب الاستماع لكاتبي التحليلات أنفسهم ومناقشتهم في بعض الجزئيات وفقاً لما ذكره لـ"العربي الجديد"، مصدر في المكتب الصحافي في البيت الأبيض.

وعلم "العربي الجديد" من المصدر ذاته، أن نائب الرئيس ووزير الخارجية وكذلك مستشار الأمن القومي يتلقون نسخاً من الملف اليومي ذاته الذي يقدم للرئيس وذلك من أجل توحيد الرؤية عند صنع القرار.

يشار إلى أن تنافس "سي آي إيه" مع وكالة "استخبارات الدفاع" (دي آي أي)، قد خلق، أخيراً، مشكلة تتعلق بمن يجب أن يتولى مسؤولية الطائرات من دون طيار (درونز)، إذ أن مسؤولي الاستخبارات التابعة للبنتاغون يريدون أن تناط المسؤولية بهم بسبب طابعها العسكري لتصفية الأهداف البشرية.

ولكن مسؤولي الاستخبارات المركزية يجادلون بأن جمع المعلومات، هو حجر الزاوية في مهمات هذه الطائرات، ولولا شبكاتها على الارض من المخبرين أو مصادر المعلومات البشرية، لما كان هناك قدرة لهذه الطائرات على إصابة أهدافها.

وفي كل الأحوال، فإن وكالة "الاستخبارات المركزية" لا تستطيع أن تستغني لا عن وزارة الدفاع ولا عن وزارة الخارجية، لأن موازنتها في الأساس هي جزء من موازنة الدفاع وعناصرها في الخارج يتحركون تحت غطاء العمل الدبلوماسي، وصلاتها بزعماء العالم الذين أوصلت بعضهم إلى الحكم، تظل عاملاً مؤثراً جداً على قرار الرئيس في أسلوب التعامل مع أولئك الزعماء إلى درجة تحديد من منهم يمكن استقباله في البيت الأبيض ومن لا يجوز استقباله.

الكونجرس والصحافة والرأي العام
تعتبر "لجنة الشؤون الخارجية" من أقوى اللجان داخل مجلسي الكونجرس الأميركي (الشيوخ والنواب) إضافة إلى لجنتي القوات المسلحة والاستخبارات، لأن الكونغرس يعتمد على هذه اللجان وتقاريرها في التأثير على الرئيس وفرض الرقابة عليه ومناقشة سياساته.

ولهذا فإن البيت الأبيض يضع اعتباراً كبيراً لسلطة الكونغرس على سياساته الخارجية، وغالباً ما تكون تقارير لجان الكونغرس علنية وتجد طريقها الى الصحافة بسهولة لتكون بذلك الرقابة الشعبية والإعلامية من أهم العوامل المؤثرة التي يضع لها صانع القرار اعتباراً كبيراً عند اتخاذ أي قرار.

ويحاول صانع القرار استرضاء الرأي العام وشرح دوافع اتخاذه سياسة معينة. ومع ذلك، فإن تأثير الرأي العام على صانع القرار لا يكون مباشراً كتأثير مستشاريه القادرين على الوشوشة في إذنيه في كل حين.