صمود مؤقت لحفتر أمام مقترح أميركي لوقف التأثير الروسي في ليبيا

24 اغسطس 2020
رفض حفتر وقف إطلاق النار (عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

أعاد رفض اللواء المتقاعد خليفة حفتر لوقف إطلاق النار في مناطق التماس من سرت إلى الجفرة، وسط البلاد، الأوضاع السياسية والعسكرية إلى مربعها الأول، فيما لا تزال المشاورات تتم في عواصم بعض الدول المتصلة بطرفي الصراع بشأن شكل الحلول الممكنة في المنطقتين، بالإضافة لوضع حفتر الذي بات يشكل طرفاً عسكرياً يعارض كلّ مساعي التوافق، بما فيها مساعي مجلس نواب طبرق الذي أعرب عن نيته وقف القتال وترجيح كفة الحلّ السلمي.

وفي آخر مستجدات المشاورات الجارية في كواليس العواصم ذات الثقل الدولي والإقليمي في الملف الليبي، قالت أوساط ليبية إن تلك المشاورات لا تزال تجري بشأن الأوضاع في سرت، فيما يحتمل أن يؤجل الحديث عن منطقة الجفرة، مشيرة إلى توافق مجلس نواب طبرق والمجلس الرئاسي لـ"حكومة الوفاق" على حزمة من الحلول بشأن المنطقة، من بينها تشكيل قوة شرطية مشتركة لتأمين مدينة سرت.

لكن مصادر ليبية، حكومية من طرابلس وبرلمانية من طبرق، تحدثت لـ"العربي الجديد"، قالت إن رفض حفتر لوقف إطلاق النار وإخلاء سرت من السلاح ليس إلا تعبيراً عن استمرار الرفض الروسي للمقترح الأميركي الذي بات مدعوماً من دول عدة بشأن أوضاع سرت والجفرة، وأن حفتر لا يمتلك القوة أمام الضغوطات الدولية والإقليمية ليستمر في موقفه الرافض.

تعتزم واشنطن فرض مقترح إخلاء سرت والجفرة من السلاح، وتحرير عملية استئناف تصدير وإنتاج النفط، لعزل روسيا لوقف تأثيرها في المنطقة

واتفقت معلومات المصادر حول سيناريوهين قريبين بشأن الأوضاع في المنطقتين، إما أن يكون رفض حفتر دافعاً لقوات "الوفاق" لاستئناف عملياتها العسكرية في سرت، خصوصاً أن السيطرة على سرت تمكنها من الإشراف على مناطق النفط في الهلال النفطي، وإما استمرار الدعم الدولي والاقليمي لرئيس مجلس نواب طبرق ممثلا وحيدا لمعسكر شرق ليبيا، مقابل استبعاد كلي لحفتر من المشهد، مؤكدة أن الاتصالات الأخيرة من الجانب الأميركي بالأطراف الليبية تشير إلى عزمها فرض مقترح إخلاء سرت والجفرة من السلاح، وتحرير عملية استئناف تصدير وإنتاج النفط، لعزل روسيا ووقف تأثيرها في المنطقة.

وكان المتحدث الرسمي باسم قيادة مليشيات حفتر، أحمد المسماري، أكد رفض حفتر لوقف إطلاق النار الذي أعلنه المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" ومجلس نواب طبرق الجمعة، ووصفه بأنه "محاولة للتسويق الإعلامي".

وقال المسماري، خلال مؤتمر صحافي، إن قوات حفتر مستعدة للردّ على أي محاولة للهجوم على منطقتي سرت والجفرة.

وعلى الرغم من تعليق المسماري على إعلان المجلس الرئاسي، إلا أنه تجنب الحديث عن دعوة رئيس مجلس نواب طبرق لوقف إطلاق النار، وهي تصريحات لا تشير إلى موقف يقف على أرضية صلبة، يجاهر بمعارضة مقترح أميركي بات الإجماع الدولي منعقداً عليه، بحسب الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق.

ويقول البرق لـ"العربي الجديد"، إن رفض وقف إطلاق النار لم يعد يدعمه أحد من حلفاء حفتر، وعلى رأسهم مصر التي باتت مواقفها فيما يبدو مرضية حتى لخصومها في ليبيا، بما فيهم قادة حكومة "الوفاق" والمجلس الأعلى للدولة اللذين أشادت بياناتهما أخيراً، بشكل ضمني، بمواقفها.

وفيما لا يستبعد البرق سيناريو تجدد القتال بضوء أخضر أميركي، لإجبار حفتر، ومن ورائه موسكو، على القبول بحل منزوع السلاح وتحرير مناطق النفط، إلا أنه يرجح سيناريو إبراز صالح وشخصيات أخرى من شرق البلاد، قد تكون وجوها جديدة لملء الفراغ الذي يمكن أن يتركه دفع حفتر إلى الخلف. ويتابع بالقول إن "تصريحات المسماري بيّنت أن حفتر لم يعد على وفاق نهائي مع عقيلة صالح، وأنه يغرّد في سرب وحده، وهي قفزة من قفزات حفتر في الهواء التي قد تسرّع نهايته من المشهد"، مشيراً إلى أن قاعدة حفتر باتت هشة ليس على المستوى السياسي فحسب، بل العسكري أيضاً، إذ لم تعد لديه القوة الكافية لمجابهة قوات "الوفاق" التي ستصل سريعاً إلى مواقع النفط بعد اكتساح سرت.

وفي سياق منفصل، لا تزال صفحات التواصل الاجتماعي تتناقل مقاطع مرئية تظهر مشاهد من إطلاق النار على متظاهرين من العاصمة طرابلس خرجوا، ليل أمس الأحد، للاحتجاج على سوء الأوضاع المعيشية.

ونفت وزارة الداخلية في الحكومة مسؤوليتها عن حادثة إطلاق النار على المتظاهرين، مؤكدة أن "مندسين أطلقوا النار خلال التظاهرات لإثارة الفتنة وزعزعة الثقة بين المواطنين والأجهزة الأمنية، وخلق فوضى جديدة في البلاد"، وفق بيان للوزارة.

وأكدت أن الوزارة تعرفت على المندسين ليتم ضبطهم والتحقيق معهم، والإعلان عن نتائج التحقيق قريباً.

وشهدت مدن الزاوية ومصراته وطرابلس، غرب البلاد، وسبها جنوب البلاد، خروج العشرات من المواطنين في تظاهرات ليل أمس، كان قد دعا إليها نشطاء بشكل كثيف على مواقع التواصل الاجتماعي، للاحتجاج على سوء الأوضاع المعيشية ومظاهر غياب السيولة النقدية والكهرباء والوقود وغيرها.

وانتشرت عشرات الدوريات التابعة لوزارة الداخلية، صباح اليوم الاثنين، في مفاصل الطرقات الرئيسية والمنافذ في العاصمة طرابلس، بينما قامت أخرى بتنظيف بعض الطرقات من إطارات السيارات التي أحرقها المتظاهرون خلال احتجاجهم، وأقفلوا بها الطرقات.

وبينما وجد أنصار مجلس نواب طبرق في الحادث وسيلة لانتقاد حكومة "الوفاق" واتهامها بعدم السيطرة على مسلحي المجموعات المسلحة، لقي الحادث أيضاً أصداء واسعة من قبل القادة في طرابلس والسياسيين.

ومقابل دعوة رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، المتظاهرين إلى عدم "السماح للمندسين باستغلال تظاهراتهم"، وحثه حكومة "الوفاق" على ضرورة "الاستماع لصوت المواطنين والاستجابة لهم" ، وفق تغريدة له عبر "تويتر"، اعتبر السياسي الليبي بشير السويحلي السبب وراء إطلاق النار على المتظاهرين "أداء الحكومة الضعيف والعاجز"، مشدداً على رفضه "الفساد المستشري في أجهزة الدولة".

وقال السويحلي، في تغريدة له عبر "تويتر"، "حان الوقت لكي تقدم حكومة الوفاق استقالتها وتصبح حكومة تصريف أعمال، أو تتحول إلى حكومة أزمة من خمس وزارات سيادية فقط لا غير"، مضيفاً: "يجب أن تعامل ملفات مثل الكهرباء، الصحة والوقود وغيرها معاملة قضايا أمن قومي، وتكون لها الأولوية القصوى قبل كل شي".

واليوم الاثنين، طالبت قوة حماية طرابلس، أكبر المجموعات المسلحة ضمن قوات حكومة الوفاق، قادة الحكومة بتحمل مسؤولياتهم، وذكر أسماء المتورطين في استهداف المحتجين.

واعتبرت القوة، في بيانها اليوم، أنه من الطبيعي في هذه الأوضاع المعيشية الصعبة أن يتحرك الشعب ويخرج عن صمته، وينادي بحقوقه، وأن تلتزم الحكومة المدنية بحماية المتظاهرين وتؤمنهم بأذرعها الأمنية المتمثلة في وزارة الداخلية، مؤكدة أن "ما حدث من تهجم مسلح على المتظاهرين العزل من بعض الجهات الأمنية، والتي هي معروفة لدى وزارة الداخلية، هو خرق واضح لكل القوانين والمعاهدات الدولية، وخروج صارخ عن الشعارات التي تنادي بالدولة المدنية، دولة القانون والمؤسسات".

وبينما أمهلت القوة حكومة "الوفاق" ووزارة الداخلية 24 ساعة للخروج والإعلان عن هوية من يقف وراء الاعتداء على المتظاهرين، اعتبر الناشط السياسي الليبي عقيلة الأطرش، أن موقف الحكومة وقادتها بات "صعب جداً، كون الحادث يظهر حقيقة سيطرة الحكومة على المجموعات المسلحة من عدمه".

ويرى الأطرش في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة في تحديين أمام استمرار الدعوات للتظاهر، إما أن تنشغل بحال المواطن بتوفير خدماته وحلحلة الأزمات المتراكمة بشأن الوضع المعيشي وهو أمر سيطول، وإما انكشاف ضعفها وعجزها أمام الرأي العام الدولي الذي سيكون بمثابة عامل تأثير كبير على أوضاعها السياسية والمكاسب العسكرية التي جنتها أخيراً، ما رجح كفتها وقلب الأوضاع لصالحها دولياً وإقليمياً.

المساهمون