صلاح المر: أشخاص على وشك المغادرة

15 أكتوبر 2015
(من أعمال المعرض)
+ الخط -

المتأمّل في لوحات معرض "آخر الطقوس المحلية"، للتشكيلي السوداني صلاح المر (1966)، المُقام في قاعتي "مشربية" و"مصر للفنون"، في القاهرة، حتّى نهاية الشهر الجاري، تستوقفه النزعة الفوتوغرافية المهيمنة عليها، إذ سيجد نفسه أمام لحظات إنسانية ثابتة.

لهذه الحالة الفوتوغرافية جذورها في تجربة الفنان المعروف باستلهامه الموروث السوداني في أعماله، فقد كان والده يمتلك استوديو تصوير. ورغم أنه أُغلق حين كان صغيراً، إلاّ أنه يتذكّر تلك الصور التي كان يحتفظ بها والده في البيت. أرشيفٌ كامل كان بين يديه؛ يتصفّح فيه الوجوه ويتخيّل العلاقات بين أصحابها.

تتشكّل العناصر والمفردات في معظم أعمال المر داخل هذا الاستوديو الافتراضي؛ فبنية الأماكن المحيطة بالأشخاص، هي بنية مُغلقة، أشبه بحجرة التصوير. نادراً ما تتّسع هذه المساحة أو تنفتح على الخارج؛ فيستعيض الفنان بدلاً عن ذلك بخطوط طولية وعرضية، كي يخلق إيهاماً بالعمق والاتساع.

هكذا، يكمل المر عمل والده، فبينما كان الأخير يسجّل اللحظات عبر الكاميرا، راح الابن يسجّل الذكريات والصور العالقة في ذهنه منذ الطفولة على شكل لوحات تستعيد ذكرياته، مازجاً فيها حنينه وهواجسه، من دون أن ينسى منحها راهنيّتها؛ إذ تشتبك تلك الصور بمشاهداته الآنية المعيشة.

تقنيّاً، يركّز المر على التفاصيل المكمّلة للشخوص التي يرسمها؛ فهي ما يخلق تلك العلاقة المفترضة التي تربط هؤلاء الأشخاص بعضهم ببعض. نلاحظ أنّ الخلفيات تصنع نسقاً تزيينياً يمتدّ إلى الأرضية على هيئة متواليات هندسية، أو خطوط مستقيمة تحيط بأطراف المساحة المرسومة، وربّما نجد هذا النّسق التزييني قد انتقل إلى قلب اللوحة، مُشكّلاً إيقاعاً قوياً يمنح الشخوص حركيّتها بدلاً من ثباتها كما في ذاكرته.


لكن، في بعض الأعمال، يتخفّف الفنان من هذه النزعة التزيينية، ليترك المقولة للملامح فقط، لتلك العيون التي تُحدّق في اتجاه الضوء.

إلى جانب ذلك، يمكننا أن نتلمّس جانباً سرديّاً في أعمال المر؛ حيثُ يتقصّى فيها حكايات لهؤلاء الأشخاص الذين يرسمهم، عبر إدخال عناصر مُفاجِئة أحياناً، كأن نرى في إحدى اللوحات رجلاً وامرأةً يرتديان لباساً رسمياً، يظهران وكأنّهما في طريقهما إلى مكانٍ ما، خارج هذه الحجرة، وهذه من المفارقات اللافتة التي اشتغل عليها في أعماله.

فرغم اهتمامه باستعادة حجرة التصوير تلك، إلّا أنّه، بالمقابل، كان يرسم الأشخاص في حالةٍ يبدون فيها وكأنّهم على وشك مغادرتها، ما يشير إلى تفلّت الصور في مخيّلته، إذ يبدو وكما لو أنّه رسم تلك اللحظات قبل أن تتلاشى من ذاكرته.

هكذا، كي يتمكّن الفنان من لحظته قبيل تلاشيها، نجد أنّ أشخاصه قصيرو الأذرع، مُثقلون بشيءٍ ما يحملونه في أكفّهم، مثل نبات الصبار أو باقة من زهور الحراز التي تتنشر في بلاده، أو بحيوان ما، مثل القط أو السمكة. كل هذه العناصر، يوظّفها المر في سبيل تثبيت أكبر قدر ممكن من التفاصيل في لحظةٍ تُعلّق على زاوية من زوايا ذاكرته.


اقرأ أيضاً: سهرة الأمثال السودانية مع عبد الله الطيّب

المساهمون