حين يدخل الزائر إلى معرضٍ لفنّانَين، أحدهما تشكيلي، والآخر نحّات، سيجد نفسه أمام طريقتين مختلفتين تماماً في التعبير، ليحاول أن يتلمّس تقاطعاتٍ تجمع هذين النوعين تحت سقف معرض واحد.
هذا ما نواجهه في المعرض المشترك للنحاتة السورية صفاء الست (1974)، والتشكيلي العراقي رياض نعمة (1968) الذي انطلق، أمس، في المبنى رقم خمسة في "الحي الثقافي كتارا" في الدوحة بتنظيم "غاليري المرخية". وبينما تعمل الأولى على ترويض الحديد الذي يكوّن منحوتاتها، يلجأ الثاني إلى الأكريليك والصور الفوتوغرافية والطباعة الرقمية ليقدّم لوحاته.
لكن، من جهةٍ أخرى، يُمكننا الوقوع على هواجس مشتركة تجمع الفنانَين؛ إذ إنّ كليهما يرصد واقع بلاده ضمن ما تُتيح له الخامات التي يستخدمها من أجل بناء عمله الفني. في أعمال الست، نرى الحديد بما يوفّره من صلابةٍ ولين وصدأ، يُشكّل شخوصاً بشريّة، تعكس تغريبة السوريين.
ورغم أنّ الوجوه في أعمالها مُصمتة، لكن وضعية الرؤوس والأجساد تستطيع أن توحي للناظر إليها أنّها في حالة انتظار وترقُّب؛ إذ تبدو منحنية ينتابها شيء من الخذلان. وأحياناً نشاهد رؤوساً تنظر إلى الأعلى، لكنّها محمولة على أجسادٍ مُشوّهة الأعضاء، تعكس ما ترتكبه الحرب بحقّ الإنسان.
لا يختلف الأمر كثيراً في أعمال نعمة. فهو الآخر يركّز على الوجه والجسد، ليعبّر عن تغريبة العراقيين. نرى في أعماله صوراً فوتوغرافية أو بورتريهات مرسومة مُلطّخة بالألوان، بعضها يبدو قديماً مُستعاداً من الذاكرة، وأخرى حديثة راهنة.
(من أعمال صفاء الست) |
في الصور القديمة، نشاهد أشخاصاً يبدون وكأنّهم في العراق، لا تغيب عن وجوه بعضهم الضحكات. لكن في أعمال أخرى، نجد إلى جانب الألوان، بعض الملصقات والقصاصات المكتوب عليها بالإنجليزية، وصوراً لوجوه بلا ملامح واضحة، في محاولةٍ تسعى إلى التعبير عن هويّة الإنسان العراقي وتشتّتها في المنافي.
هنا، يركّز الفنان أيضاً على واجهات المحلّات التي يمرّ من أمامها أناسٌ؛ محلّات تبيع ملابس أو أشياء لا تنتمي إليها شخوصه ذات الملابس العادية، فنرى انعكاس وجوههم الغريبة على زجاجها شاحباً.
كما لم تغب عن بعض لوحات نعمة، مشاهد تُشير إلى النّزوح، حيث نواجه جماعات تسير بأجسادٍ تبدو مُبهمة، مُنهكة بما تحمله على أكتافها وظهرها من حقائب وأوان، وكلّ ما يُثقل ظهر النازح. وفي بعض الأحيان، نرى الوجوه فقط، لكنّها تكون مُغطّاة بما يحميها ممّا قد يصيبها من أذى، مثل شظية أو غازٍ سام، من مخلّفات الحرب.
المفارقة الجارحة، ربّما، في المعرض الذي يستمر حتى الخامس من ديسمبر/كانون الأول المقبل، أنّ منحوتات السّت التي تُعبّر فيها الفنانة عن السوريين، تصلح هي الأخرى لتعبّر عن حال العراقيين، والعكس صحيح؛ إذ نجد في لوحات نعمة، تعبيراً يقارب المأساة السورية؛ ما يضعنا أمام مشهدٍ تراجيدي واحدٍ يقتسمه البلدان.
اقرأ أيضاً: مهنّد عرابي: صور تنتظر أصحابها