واعتبرت الدراسة الصادرة عن "مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية"، التابع لجامعة "بار إيلان"، ثاني أكبر الجامعات الإسرائيلية، أن تحقيق ممثلي هذا الجناح نتائج قوية في الانتخابات التمهيدية التي أجراها الحزب لاختيار مرشحيه للانتخابات النصفية يسوغ هذه المخاوف.
وأشارت الدراسة، التي صدرت اليوم الإثنين، إلى أن خطوة تعاظم قوة الجناح اليساري داخل "الحزب الديمقراطي" تتمثل في حقيقة أن هذا الجناح يتبنى مواقف معادية من إسرائيل وغير ملتزم بمصالحها؛ مطالبة صناع القرار في تل أبيب بالاستعداد لإمكانية أن يسيطر ممثلو اليسار على الحزب، مع كل ما ينطوي عليه هذا التطور من تداعيات بعيدة المدى على مستقبل العلاقة الأميركية الإسرائيلية.
وأشارت إلى المفاجأة الكبيرة التي تمثلت في تغلّب من وصفتها "الناشطة اليسارية المتطرفة" إليكساندريا كورتس (28 عاما) على النائب جو كرولي، الذي يُعد من أكثر المتحمسين لدعم إسرائيل في مجلس النواب، وفوزها بترشيح الحزب عن مقاطعة كوين في ولاية نيويورك.
وشدّدت الدراسة على أن النتائج التي حققها ممثلو الجناح اليساري في "الحزب الديمقراطي" يمكن أن تؤثر على نتائج الانتخابات الرئاسية التي ستجري في عام 2020، والتي قد تسفر عن فوز مرشح ديمقراطي يأخذ بعين الاعتبار مواقف هذا الجناح من إسرائيل.
وحسب معدّ الدراسة، الباحث دورون فيلدمان، فإن المؤشرات على تهاوي شرعية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بفعل انتقادات الإعلام والمؤسسات الأكاديمية، والنخب بشكل عام، يزيد من إمكانية إخفاقه في الانتخابات القادمة، وهو ما يفتح الطرق إمام إمكانية أن يصل مرشح "اليسار المتطرف" إلى البيت الأبيض.
وعبّرت الدراسة عن الخشية من أن يسهم الاستقطاب الداخلي الذي فجرته سياسات ترامب الداخلية والخارجية في خسارة الحزب "الجمهوري" أغلبيته الضيقة في الانتخابات النصفية، على الرغم من المؤشرات الإيجابية التي يبديها الاقتصاد الأميركي منذ صعود ترامب، والتي تمثلت في تعاظم النمو وانخفاض معدلات البطالة.
وتوقعت الدراسة ألا يتردد الديمقراطيون في حال حصلوا على الأغلبية، في أعقاب الانتخابات النصفية، في الشروع في إجراءات لعزل ترامب، لا سيما على خلفية التحقيقات التي تجري حاليا في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وأوضحت أنه في حال شرع الكونغرس في إجراءات لعزل ترامب، فإن قدرة الولايات المتحدة على مواجهة التحديات الخارجية ستتقلص.
وعلى الرغم من أن مُعدّ الدراسة لم يقدم تفصيلات حول هذه النقطة تحديدا، فمن الواضح أنه يقصد، بشكل خاص، التحديات التي تمثل مصلحة استراتيجية لإسرائيل، مثل البرنامج النووي الإيراني وتوسع طهران في المنطقة وغيرها.
وأوضحت الدراسة أن فوز الديمقراطيين بانتخابات الرئاسة المقبلة 2020 يمكن أن يفضي إلى إحداث تحوّل على بيئة العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، مشيرة إلى أن كلا من بيرني ساندرز وإليزابيث وورنر، اللذين من المرجح أن يتنافسا على ترشيح الحزب، يتبنيان مواقف معادية لإسرائيل بشكل واضح وجليّ.
وأشارت إلى أن الأقليات العرقية واليهود غير المنتمين للتيار الديني الأرثوذكسي وسكان الولايات التي تصوت بشكل تقليدي للديمقراطيين، مثل كاليفورنيا ونيويورك، سيصوتون لليساريين "المتطرفين"، الذين يمكن أن يترشحوا عن "الحزب الديمقراطي"، مشيرة إلى أن هذا ما يفسر فوز إلكساندريا كورتس بترشيح الحزب في نيويورك.
ونوهت إلى أنه حتى لو لم يرشح "الحزب الديمقراطي" مرشحا آخر غير ساندرز ووورنر، فإن أي مرشح سيتأثر بتوجهات قيادات الحزب الشابة من الجناح اليساري الذي يتبنى مواقف معادية لإسرائيل.
وترى الدراسة أنه حتى لو لم ينجح الديمقراطيون في عزل ترامب، فإن قدرته على مواصلة سياساته الخارجية المؤيدة لإسرائيل على هذا النحو غير المسبوق ستكون محدودة جدا، على اعتبار أن الأغلبية الديمقراطية الواقعة تحت تأثير الجناح اليساري لن تسمح له بذلك.
وأشارت إلى أن تحقيق الديمقراطيين أغلبية مطلقة في مجلسي الكونغرس، سيجعل من المتعذر على ترامب دفع خطته لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المريحة لتل أبيب.
واستنتجت الدراسة أنه في حال وجد ترامب نفسه مجبرا على الاستثمار في مواجهة التحديات الداخلية للحفاظ على شرعيته، فإن قدرته على تبني سياسات خارجية تراعي المصالح الأمنية لحلفائه، لا سيما إسرائيل، ستتضرر.
وحثّت صناع القرار في تل أبيب على التحوط للتداعيات الأكثر سوءا الناجمة عن التحولات التي تشهدها السياسة والمجتمع الأميركي وصياغة استراتيجية لمواجهتها.
وتوقعت أن يسهم فوز الديمقراطيين بالانتخابات النصفية للكونغرس في دفع واشنطن إلى تقليص تدخّلها العسكري والسياسي في الشرق الأوسط، لدرجة أنه يمكن أن تتوقف عن لعب دورها كقوة عظمى في المنطقة والعالم، وهو ما يمثل فرصة لكل من روسيا والصين.
وأوضحت الدراسة أن ما يفاقم الأمور خطورة حقيقة أن هذه التحولات تحدث في ظل تراجع تأثير قوة منظمات اللوبي اليهودية في الولايات المتحدة، بسبب ميل الكثير من القطاعات الشبابية اليهودية في الولايات المتحدة إلى تبنّي مواقف معادية لإسرائيل، مشيرة إلى أن هذا الواقع سيفضي إلى اعتماد إسرائيل على دعم التبشيريين الإنجيليين.
واستشرفت الدراسة، المخاطر الاستراتيجية التي يمكن أن تواجهها إسرائيل من جراء التحولات المتوقعة في الحلبة السياسية الأميركية، وعلى رأسها إصدار مجلس الأمن الدولي قرارات معادية لإسرائيل، لا سيما قرار بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، ودعم حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي شُردوا منها. ولم تستبعد أن يُقدِم الرئيس القادم على إصدار مراسيم معادية لإسرائيل، لإجبارها على قبول المطالب الفلسطينية.
ولا تستبعد الدراسة أن يسهم تعاظم النزاعات ومظاهر الاستقطاب داخل المجتمع الأميركي، لا سيما بين اليمين المحافظ ومؤيديه والليبراليين في "تحطيم" النظام الديمقراطي الأميركي، مما يسهم في إضعاف الولايات المتحدة كقوة عظمى، حيث لا يتردد معد الدراسة في التحذير من إمكانية أن تفضي النزاعات الداخلية إلى تفجّر حرب أهلية أميركية.
وحثت الدراسة، الحكومة الإسرائيلية، على اتخاذ خطوات عاجلة لضمان الحصول على تأييد اليهود المحافظين والإصلاحيين في الولايات المتحدة، وذلك لإحباط فرص انتخاب مرشح يمثل "اليسار المتطرف" في الحزب الديمقراطي.
ونصحت الدراسة صناع القرار في تل أبيب بمواصلة بناء التحالفات مع قوى أخرى غير الولايات المتحدة، لتقليص تأثير أية تداعيات سلبية عن فوز اليسار بالانتخابات للكونغرس أو الرئاسة في الولايات المتحدة.