يتخذ التجاذب على الصلاحيات والنفوذ بين وزارتي الخارجية والدفاع في الولايات المتحدة، منحى جديداً أخيراً، يتمحور حول من يحسم القرار النهائي بمنح المساعدات العسكرية إلى الدول الأجنبية.
وتسعى وزارة الدفاع (البنتاغون) لدور أكبر في تحريك المساعدات العسكرية الأجنبية، ولا سيما في ظل ما تفرضه أخيراً الطبيعة الأمينة للنزاعات في عدد من الدول، إن لجهة الدفع بالجنود إلى خطوط التماس تمهيداً لغارات طائرة بدون طيار أو لإعطاء مشورة لجيش حليف أو لتنفيذ عملية نوعية. لكن البيروقراطية المدنية في واشنطن ترى في هذا التوجه محاولة لـ"عسكرة السياسة الخارجية".
أما المحاولة التشريعية الحالية لإعادة التوازن في هذه العلاقة، فقد تمثلت في طرح مشروع قانون "السياسة الدفاعية" الذي يعطي البنتاغون صلاحية تمتد على سنوات لتمويل برامج المساعدات العسكرية بدلاً من العودة سنوياً إلى وزارة الخارجية والكونغرس. ويحاول البيت الأبيض أداء دور وساطة بين الطرفين، لكن العلاقة بين الوزارتين تزداد تعقيداً بدون أفق لمعالجتها.
اقرأ أيضاً: تونس والتعاون الأمني مع فرنسا والإغراء الأميركي ثالثهما
وتجري العادة أن تصدر توصية من وزارة الدفاع الأميركية بتوفير المساعدات العسكرية إلى دولة معيّنة ضمن ما يُعرف ببرنامج "تمويل الجيش الأجنبي"، وتُراجِع بعدها وزارة الخارجية هذا القرار قبل إصدار توقيع السلطة التنفيذية.
من جهتها، تشير صحيفة "بوليتيكو" إلى أنه يوجد محاولات في الكونغرس حالياً لتسريع إيصال البنتاغون لهذه المساعدات العسكرية الأجنبية بطريقة مباشرة، ما يثير قلق وزارة الخارجية ومؤيديها في "الكابيتول هيل" (الكونغرس) الذين يعتبرون أن هذه التوجهات تتناقض مع المصالح الأميركية ومع مبادئ حقوق الانسان في حال أرادت واشنطن اشتراط حصول تقدمٍ في هذا الملف قبل إيصال هذه المساعدات.
وكان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، قد عبّر عن هذا القلق. وتلتقي معه في هذا الموقف لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ولا سيما رئيسها الجمهوري السيناتور بوب كوركر، الذي يعتقد أنه حتى مع توسع دور وزارة الدفاع لا بد من احترام المسار القانوني الذي يبدأ بموافقة وزارة الخارجية، وينتهي بمراجعة الكونغرس لهذه المساعدات قبل تسليمها. أما زميله الديمقراطي، السيناتور بين كاردين، فيخشى ألا يكون لدى البنتاغون النظرة الشاملة ذاتها لوزارة الخارجية حيال التحديات السياسية في بلد معيّن.
على الضفة الأخرى، تعتقد وزارة الدفاع ومؤيدوها في الكونغرس أنّ المسار الذي تتبعه وزارة الخارجية يستغرق وقتاً طويلاً وفيه الكثير من التعقيدات البيروقراطية في ظل الحاجة الملحة لدى القيادات العسكرية لتسليم السلاح والعتاد إلى الجيوش أو المجموعات الحليفة، لا سيما في الشرق الأوسط. وكان العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، قد أعرب عن استيائه أكثر من مرة من التأخير في إيصال المساعدات العسكرية إلى الجيش الأردني في ظل التحديات الأمنية على حدوده مع سورية والعراق.
وتعتبر القيادات العسكرية أنّ التحولات التي حصلت في السنوات الأخيرة، ولا سيما في الشرق الأوسط، تفرض إعادة النظر بتوزيع الأدوار بين وزارتي الخارجية والدفاع بدل استمرار وزارة الخارجية في احتكارها التاريخي لملف المساعدات العسكرية.
ويزداد التوتر بين الطرفين حين تستخدم وزارة الخارجية صلاحياتها وتوقف بعض الصفقات العسكرية التي يقترحها البنتاغون وتعتبرها غير مؤاتية. على سبيل المثال، رفضت وزارة الخارجية خطة لتدريب قناصين في بيلاروسيا بسبب انتهاكات حقوق الإنسان فيها. كما أوقفت إيصال مساعدات مثل مرهم الشفاه ومكانس إلى الجيش الأردني باعتبار أنها "تبذير".
وسرّبت وزارة الخارجية أكثر من مرة سابقاً أن البنتاغون يتجاهل أحياناً صلاحيتها وبأنها تفاجأت من الإعلام بتسليمه مساعدات بدون علمها، وعلى الرغم من تحفظها، مثل تمويل برامج مكافحة المخدرات في آسيا الوسطى وتدريب الجيش الكامبودي. وامتد عدم التنسيق بين الجهتين إلى التعامل مع الجيش الكيني، إذ أراد البنتاغون إمداده بطائرات هليكوبتر جديدة بقيمة 100 مليون دولار، لكن وزارة الخارجية كانت تدفع باتجاه تزويده بطائرات هليكوبتر قديمة.
كما برز التباين في ما يتعلق بتسليح عدد من البلدان في جنوب شرق آسيا لمواجهة التحدي الصيني، إذ ترى الخارجية الأميركية أنّ هذا الأمر يتناقض مع دعوات واشنطن لعدم عسكرة بحر الصين الجنوبي. بدوره، لم يكن الملف السوري بمنأى عن هذا التباين. وسبق أن ذكرت صحيفة "شيكاغو تريبيون" أن هناك مواجهات حصلت بين لواء "فرسان الحق"، الذي تدعمه وكالة الاستخبارات المركزية (سي. أي. إيه) و"قوات سورية الديمقراطية" التي يدعمها "البنتاغون". هذا التحوّل وصفه أعلى نائب ديمقراطي رتبة في لجنة الاستخبارات، أدام شيف، بأنه "ظاهرة جديدة نوعاً ما".
كذلك يوجد تساؤلات في الكونغرس حول طلب البنتاغون مبلغ 600 مليار دولار ضمن الميزانية الفيدرالية التي تم الإعلان عنها في شهر فبراير/شباط الماضي، إذ تبين وجود مبلغ 10 مليارات دولار من المساعدات العسكرية الأجنبية، ضمن برنامج "بناء قدرات الشريك"، لم يحدد البنتاغون من هي البلدان التي تحصل عليها. وتحاول لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ التدقيق في هذه البرامج، وقد عقدت جلسة استماع قبل أسبوعين لإقناع البنتاغون بأن يكون أكثر شفافية في هذا الملف.
اقرأ أيضاً: إسرائيل تعرقل حصول قطر على مقاتلات جوية أميركية