وعلى الرغم من استمرار التعاون الاقتصادي بين البلدين والاستثمار التجاري العملاق، إلا أن التدخلات والتحركات الأميركية في القارة الصفراء أخيرا، أججت الصراع بين أقوى اقتصادين في العالم، فربما تريد أميركا تطويق الصين، خصوصا بعدما بدأ النفوذ الصيني يتسع إلى مناطق مختلفة من العالم.
وعلى ما يبدو، ومع توقيع هذه المذكرة، فإن الفترة المقبلة ستشهد مزيداً من التوترات بين البلدين نتيجة السياسات التي يود الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنفيذها في العديد من المجالات مع العالم.
ومنذ تولي ترامب سدة الحكم تم توجيه انتقادات وبشدة إلى منظمة التجارة العالمية بل واتهامها من الإدارة الأميركية بأنها "عاجزة" عن فرض عقوبات على الممارسات التجارية غير النزيهة.
وقد قدر أحدث تقرير اقتصادي مستقل أجرته "لجنة دراسة القرصنة الفكرية" المستقلة الأميركية للعام 2017، خسائر الاقتصاد الأميركي بنحو 600 مليار دولار سنوياً. ويؤكد التقرير أن القرصنة على حقوق الملكية الفكرية الأميركية ما زالت تمثل تهديداً كبيراً للاقتصاد الأميركي، وتنعكس خسائر هذه القرصنة التي تقدر قيمتها بما يزيد على 250 مليار دولار في صورة سلع مقلدة وبرامج كمبيوتر منسوخة، وسرقة الأسرار التجارية التي يمكن أن ترفع الكلفة إلى 600 مليار دولار.
وما تواجهه الصين حالياً كان متوقعا، حيث سبق للرئيس الأميركي أن تناول خلال جولاته الانتخابية هذه القضايا، ومنها قضية التجارة مع الصين على وجه الخصوص، واتهم الصين بعدم تعاونها في مجال أسعار العملات بقوله "نحن نتأثر بخفض العملة الصينية التي من شأنها تحفيز الصادرات الصينية إلى الخارج"، حيث تعتبر الصين اليوم واحدة من القوى الصاعدة في مختلف المجالات، وهي من الدول المرشحة بقوة خلال الفترة القادمة لأن تكون المنافسة للولايات المتحدة، بجانب تمكنها في مجالات التصنيع والابتكار والإنتاج وبالتالي المنافسة في المجالات التجارية والصناعية.
ويرى مراقبون أنه إذا قرر الممثل التجاري الأميركي، روبرت لايتهايزر، المضي قدما وإجراء تحقيق، فإن الولايات المتحدة ستتشاور أولا مع الصين، ومن الممكن أن تستغرق عملية التحقيق فترة لا تقل عن عام كامل، في حين أنه من غير الواضح ما إذا كان سيطلق لايتهايزر تحقيقا بموجب البند 301 في الممارسات الصينية المزعومة بشأن الملكية الفكرية.
ويسمح البند 301، الذي كان يستخدم بكثافة في ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، للرئيس الأميركي بفرض رسوم جمركية أو قيود تجارية أخرى بشكل أحادي ضد دول أجنبية، بيد أن الولايات المتحدة نادرا ما استخدمت هذه الأداة التجارية منذ تشكيل منظمة التجارة العالمية في عام 1995.
وقال تشاد باون، من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، الذي يتخذ من واشنطن مقرا له: "إنه لم يعد من الضروري للولايات المتحدة أن تلجأ إلى استخدام هذا القانون، لأنه يوجد الآن نظام فعال لتسوية النزاعات في إطار منظمة التجارة العالمية"، لافتاً إلى أن "الجدول الزمني القانوني لأي عملية بموجب البند 301 لا يتوافق بشكل جيد مع قواعد منظمة التجارة العالمية".
من جهتها، حثت الصين الولايات المتحدة على ضرورة إجراء تقييم موضوعي لتقدم الصين في حماية حقوق الملكية الفكرية، وحل الخلافات معها من خلال الحوار والتشاور، حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينج: "إنه مع تزايد المصالح المتشابكة بين بكين وواشنطن، فإن حرباً تجارية لن تؤدي إلى أي مكان، ولن يفوز فيها أي من الجانبين".
وأضافت هوا أن "الصين تولي دائما أهمية لحماية حقوق الملكية الفكرية، من خلال صياغة القوانين واللوائح والقضاء على الانتهاكات، ورفع مستوى الوعي العام بحقوق الملكية الفكرية".
وحذرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية من أن بلادها لن تقف مكتوفة الأيدي، لكنها ستتخذ كافة الإجراءات المناسبة للحفاظ على حقوقها ومصالحها المشروعة، وهذا ما أكده بالفعل أحدث تقرير لمكتب الممثل التجاري الأميركي حول مشاكل امتثال بكين لقواعد منظمة التجارة بعد 15 سنة من انضمامها، الذي أشار إلى أن بكين على ما يبدو عازمة على سد فجوة حقوق الملكية الفكرية بأي شكل من الأشكال.
ونوه التقرير بأنه منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة، وضعت إطاراً من القوانين والأنظمة والقواعد الإدارية للوفاء بالتزاماتها في المنظمة، غير أن هناك حاجة إلى إصلاحات مطلوبة في مجالات رئيسة، مثل تحديث القوانين واللوائح في الصين في مجال التجارة السرية، ومواصلة تحسين التدابير لحماية حقوق التأليف والنشر على شبكة الإنترنت، عقب انضمام بكين إلى معاهدتي المنظمة العالمية للملكية الفكرية "ويبو" بشأن الإنترنت.
وفي السياق، يقول ستيفن أس روتش، عضو هيئة التدريس في جامعة ييل، ورئيس بنك مورغان ستانلي في آسيا سابقا، إن "إدارة ترمب تلعب بذخيرة حية"، وهو ما يشي بتداعيات عالمية خطيرة، وأن "فريق ترامب لا يبدي اهتماماً برد فعل الصين على تهديداته، ظناً منه أن الولايات المتحدة ليس لديها ما تخسره وبوسعها أن تكسب كل شيء".
ويوضح أن واشنطن وبكين تلتحمان في علاقة اقتصادية تقوم على الاعتماد المتبادل، فالصين تعتمد على الطلب من الولايات المتحدة على صادراتها، ولكن الولايات المتحدة أيضاً لا تعتمد على الصين، فالصين تملك ما تزيد قيمته على 1.5 تريليون دولار من سندات الخزانة الأميركية، وغير ذلك من الأصول الدولارية، وعلاوة على ذلك، تعد الصين ثالث أكبر سوق للصادرات الأميركية (بعد كندا والمكسيك) والسوق الأكثر توسعًا، وهي شديدة الأهمية للاقتصاد الأميركي المتعطش للنمو.
كما حذر مايكل فرومان، الممثل التجاري الأميركي السابق، من أن الولايات المتحدة قد تواجه انتقاما من شركاء تجاريين آخرين، لذا تحركت إدارة ترامب بعيدا عن حل النزاعات التجارية من خلال منظمة التجارة العالمية.