صراع المكاسب في العراق ينهي التوجّه نحو كتلة معارضة

23 يناير 2019
كتل عدة لوّحت بالمعارضة لجذب الشارع (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
تتسابق الكتل السياسية العراقية على الفوز بمغانم السلطة والنفوذ في العملية السياسية والحصول على الحصة الكبرى من المناصب الحكومية، لتتلاشى كل وعودها السابقة بتشكيل كتلة معارضة، والتي لم تخرج إلى التطبيق الفعلي حتى اليوم، فبعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على الانتخابات البرلمانية العراقية، انتهى اليوم الضجيج الإعلامي لتلك الكتل التي طالما لوّحت بأنّها "لا تريد السلطة" وأنّها "الأقرب للشعب" وستضم صوتها إليه من خلال كتلة معارضة.
وقبيل تشكيل الحكومة في العام الماضي، عقب الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو/ أيار من العام الماضي، كانت الكتل تداعب مشاعر الشارع، من خلال تلويحها بالمعارضة، وتهديد بعضها البعض بهذا الخيار، لا سيما "تحالف سائرون" المدعوم من قبل زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، ومن ثم لحق به تحالف "الفتح" الذي يضم فصائل "الحشد الشعبي"، فضلاً عن قوى سنّية أخرى هددت بذلك. بينما لم تشهد الساحة السياسية العراقية حتى اليوم أي توجّه حقيقي نحو المعارضة، وهو ما يصفه مراقبون وسياسيون بالتراجع عن تلبية مطالب الشعب، فضلاً عن ضمان الأحزاب حصصها من السلطات في البلاد.

وقال النائب عن تحالف "سائرون"، رائد فهمي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تحالف سائرون ما يزال معارضاً بأفعاله، على الرغم من عدم إعلانه المعارضة رسمياً"، موضحاً أنّ "الشعب العراقي يريد تحوّلات وإصلاحات وإنجازات، ومن المفترض أن تكون الحكومة العراقية إصلاحية، وأن يحظى البرنامج بشكل عام بالتأييد". وأشار إلى أنّ رئيس الحكومة عادل عبد المهدي "جاء إلى الحكومة بموافقة سائرون، ومع ذلك لم نقدّم أي وزير في الحكومة، وأفعالنا الحالية تشير إلى رفض الإجراءات غير السليمة، وتأييد التحركات الإصلاحية لعبد المهدي، وهذا هو معنى المعارضة البنّاءة".

وتبرر كتل سياسية عدم تشكيل كتلة معارضة بتأخر استكمال تشكيلة وزارات الحكومة. وقال عضو "تحالف القرار"، أثيل النجيفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "عدم استكمال التشكيلة الوزارية يعني أن التهديد بالمعارضة مستمر، والوضع السياسي بحاجة إلى أن يتضح، حتى تعرف الكيانات السياسية توجّهاتها، ولكن بطبيعة الحال فإنّ الحديث عن المعارضة ما يزال قائماً، مع وجود أحزاب أخرى تريد أن تسيّر الحكومة وفق خططها غير الهادفة إلى إصلاح أوضاع الشعب"، معتبراً أن "أي حزب يهدد بالمعارضة لا يمكن له اللجوء إليها بسرعة". وأكد أنّ "كل جهة تريد أن تثبت منهجها في السلطة، وتسعى لكي تبقى إلى أقصى حد كي تثبت هذا المنهج، وإذا عجزت عن تقديم منهجها وإقناع الحكومة به، ستكون المعارضة هي الخيار".


من جهته، أشار عضو تحالف "الفتح"، رزاق الحيدري، إلى أنّ "العملية السياسية في العراق تجبر القوى والكيانات على الرضوخ للمحاصصة، فضلاً عن الطوائف والمذاهب، لأخذ حصصها من الحكومة"، لافتاً إلى أنّ "الأحزاب التي هددت بالمعارضة، اختارت هذا السلوك من أجل الضغط على الحكومة، والحصول على حصص أكثر".
وأكد الحيدري، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "التهديد بالمعارضة السياسية ودعوة الجماهير للنزول إلى الشارع، في حال تطبيق المحاصصة، هي الحجة التي سرعان ما كُشفت مع بدء تشكيل الحكومة، واختيار الوزراء بالطرق القديمة نفسها"، مضيفاً "لن يجرأ أي حزب سياسي في البلاد على الدخول إلى المعارضة، ولا يمكن لأحد التنازل عن حصصه من الامتيازات، وما تحدثوا به عن لجوئهم للمعارضة لم يكن سوى تصريحات إعلامية فارغة".

وكانت كتلة "حراك الجيل الجديد" الكردية، قد أعلنت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عدم مشاركتها في الحكومة وأنّها ستكون أول كتلة نيابية معارضة للحكومة، وستعمل على مراقبة الأداء الحكومي ومحاسبته. لكنّها سرعان ما أعلنت انضمامها إلى تحالف "الإصلاح".

ويشير مراقبون إلى أنّ الحديث عن تشكيل كتلة برلمانية معارضة في العراق، ضرب من الخيال، فالكتل اليوم تتصارع على الفوز بالمكاسب. وقال الخبير السياسي عبد الله الركابي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "التهديد بالذهاب إلى المعارضة هو كلام إعلامي لا غير، الهدف منه الضغط على بعض القوى السياسية للحصول على مكاسب أكثر، فهذه التهديدات نسمع بها مع بدء مراحل تشكيل أي حكومة منذ 2003 وإلى يومنا هذا". وأكد أنّ "الكتل حصلت على ما تريد من مكاسب، وهذا التهديد لم يعد له أي وجود، وحتى المواطن أدرك ذلك"، مشيراً إلى أنّ "المعارضة مهمة بأي عمل سياسي، وفي حال وجودها، يكون العمل البرلماني أو الحكومي أفضل من الحالي، كون هناك رقابة ومحاسبة حقيقة، من دون أي مجاملات سياسية أو حتى ضغوط". واستبعد "تشكيل أي معارضة برلمانية في العراق إطلاقاً".