ليس الصدام بين جماعة "الإخوان المسلمين" وقادة المؤسسة العسكرية بالجديد؛ فعلى مرّ عشرات السنين، تشوب العلاقة بينهما حالة من الشد والجذب. بدأت أولى مراحلها بالصدام بين الجماعة وقادة الجيش في 23 يوليو/ تموز 1952، عندما قرر مجلس قيادة الثورة بزعامة الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، مصادرة الحياة السياسية، والاستيلاء على الحكم بعد طرد الملك فاروق، ووضع الرئيس الأول للجمهورية محمد نجيب، تحت الإقامة الجبرية.
وتوالت خلال فترات الحكم العسكري للبلاد أحكامُ الإعدام على قيادات الجماعة، وفي مقدّمتهم مرشدوها، تارة من محاكم عسكرية، وتارة أخرى من قضاء مدني يتلاعب بدفته قادةُ الجيش.
وكان أول مرشدي الجماعة، الذي يصدر ضدّه حكمٌ بالإعدام، هو القاضي حسن الهضيبي، وهو المرشد الثاني للجماعة، وكان قد اختير خلفاً لمؤسسها الأول، حسن البنا، عام 1951. واعتـُقل الهضيبي للمرّة الأولى في 13 يناير/ كانون الثاني 1953، وأُفرج عنه في شهر مارس/آذار من العام نفسه، قبل أن يتم اعتقاله مرة أخرى، ويصدر ضدّه حكمٌ بالإعدام في أواخر 1954، ثم جرى تخفيف الحكم إلى المؤبد. عاش الهضيبي بعدها متنقلاً بين السجون والإقامة الجبرية، قبل أن ترفع عنه تلك الإقامة الجبرية عام 1961، ويعاد اعتقاله مرة أخرى في أغسطس/ آب 1965 بتهمة إحياء التنظيم، ليصدر بعدها حكمٌ بسجنه ثلاث سنوات.
التاريخ يعيد نفسه
وفي ظروف مشابهة لتلك التي عاشتها الجماعة في فترة الستينيات، يأتي محمد بديع، المرشد الثامن للجماعة، الذي خلف محمد مهدي عاكف في يناير/كانون الثاني من عام 2010، لتتكرر معه مشاهد السجون والاعتقالات والتعذيب، ولكن هذه المرة على يد مؤسسة عسكرية يقودها عبد الفتاح السيسي، الذي يقول عن نفسه إنه امتداد لأستاذه جمال عبد الناصر.
وعلى خطى عسكر يوليو/تموز سار عسكر 30 يونيو/حزيران، بإحالة أوراق مرشد الجماعة الثامن، محمد بديع، إلى مفتي الجمهورية، من خلال حكم صادر عن محكمة جنايات المنيا؛ فبديع، الذي تم اختياره من قبل الهيئة العامة للاستعلامات (جهة رسمية)، كواحد من أفضل 100 عالم عربي في عام 1999، لم يكن يدرك أنه عندما تم اختياره مرشداً للجماعة، سيعيد التاريخ نفسه معه، وأن المشاهد ستتكرّر بهذه الحدة ليجد نفسه أمام حكم بالإعدام، و26 قضية أخرى تقود جميعها إلى حبل المشنقة.
وعلى الرغم من أن بديع، الذي لقي ابنه الأكبر، عمار، مصرعه على أيدي قوات العسكر، خلال مذبحة رمسيس في 18 أغسطس/ آب الماضي، يواجه هذا الكمّ من القضايا، غير أنها لم تكن المرة الأولى في حياته، التي يتعرّض فيها لظلم العسكر؛ فقد جرى تقديمه للمحاكمة 4 مرات قبل ذلك. كان أولها المحاكمة العسكرية عام 1965 مع سيد قطب، وحُكم عليه وقتها بخمسة عشر عاماً، قَضى منها 9 سنوات وخرج في شهر أبريل/نيسان من عام 1974. وفي عام 1998، كان بديع على موعد مع المحاكمة الثانية في القضية التي عرفت باسم قضية "جمعية الدعوة الإسلامية ببني سويف"، التي كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارتها. أما القضية الثالثة، فكانت عام 1999، عندما حكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن 5 سنوات في القضية، التي عرفت إعلامياً باسم "النقابيين"، قضى منها ثلاث سنوات و8 أشهر، قبل أن يخرج في عام 2003. كل تلك القضايا جاءت قبل أن تقوم قوات الأمن المصرية بالقبض عليه في 30 أغسطس/ آب الماضي بالقرب من ميدان رابعة العدوية، الذي شهد مجزرة راح ضحيتها المئات من أبناء الجماعة على أيدي قوات الجيش والشرطة. ويجد بديع نفسه أمام كمّ ٍ هائل من القضايا والاتهامات.
عاكف في السجون بعد 60 عاماً
محمد مهدي عاكف، الذي تولى منصب المرشد العام للجماعة في يناير/ كانون الثاني 2004، كان له هو الآخر نصيب من أحكام الإعدام الصادرة بحق قيادات "الإخوان"، حينما تم إلقاء القبض عليه في أغسطس/ آب 1954. واتهم في حينه بتهريب اللواء عبد المنعم عبد الرؤوف، أحد قيادات الجيش، وأحد قيادات الجماعة وقتها، والذي أشرف على طرد الملك فاروق. حُكم على عاكف بعدها بالإعدام، وكان ترتيبه في تنفيذ حكم الإعدام السابع كما يروي هو في تصريحات سابقة، قبل أن يتم تخفيف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
التاريخ أيضاً يعيد نفسه مع عاكف هذه المرة؛ فهو يقبع اليوم خلف القضبان، رجل مسنّ تجاوز الـ87 عاماً في قضايا وهمية، وذلك بعد مرور نحو 6 عقود من القبض عليه في المرة الأولى خلال حكم عبد الناصر.