بات في حكم المؤكد عدم إجراء الانتخابات المحلية المصرية في مدى قريب، في ظل حالة التسويف التي ينتهجها مجلس النواب تجاه مناقشة قانون الإدارة المحلية الجديد، الذي أكمل عامه الثالث حبيس أدراج المجلس، مع وعود زائفة، ومتكررة، تارة بالتصويت على إقراره خلال دور الانعقاد الحالي، وأخرى بإجراء انتخابات المجالس البلدية في النصف الأول من العام المقبل.
وكشفت مصادر برلمانية متطابقة، لـ"العربي الجديد"، أن هناك حالة من الصراع بين أجهزة الدولة الأمنية، ممثلة في جهاز الأمن الوطني والاستخبارات العامة، بشأن إجراء الانتخابات المحلية من عدمه، إذ يرى الجهاز الأول أنه لا داعيَ لإجرائها خلال الدورة الرئاسية الحالية (2018-2022)، لعدم ضمان حصول الأحزاب والكيانات المحسوبة على الدولة على أغلبية مريحة من مقاعدها. وبحسب المصادر، فإن قيادات في "الأمن الوطني" رفعت تقارير إلى مؤسسة الرئاسة تتضمن مخاوفها من تسلل عناصر منتمية إلى جماعة الإخوان المسلمين، أو غيرها من الجبهات المعارضة نظامَ الحكم، إلى المجالس الشعبية حال إجرائها، مستغلة في ذلك تردي الأوضاع الاقتصادية، وموجة الغلاء، وارتفاع الأسعار، للتأثير في اتجاهات تصويت الناخبين لمصلحتها.
وأفادت المصادر بأنه على الجانب الآخر يرى جهاز الاستخبارات العامة أهمية في إجراء الانتخابات المحلية، لكن عقب انتهاء الدورة التشريعية للبرلمان الحالي، وانتخاب مجلس نيابي جديد في العام 2020، نظراً للوضع السياسي، ولحين بلورة الأطروحات الخاصة بإنشاء حزب حاكم، وإعطاء فرصة لترتيب "البيت الحزبي"، وضمان السيطرة على الأغلبية الكاسحة من مجلس النواب والمحليات معاً. ولفتت المصادر إلى أن رهان السلطة على إجراء الانتخابات البلدية، يرتبط بوجود قاعدة حزبية صلبة، تتولى مسؤولية الحشد في جميع المحافظات، وتستطيع الدولة من خلالها حشد المواطنين لمصلحة مرشحيها، خصوصاً بعد ما كشفته الانتخابات الرئاسية المنقضية من تراجع في شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو ما مثل سبباً رئيسياً في مسألة التراجع عن إجراء انتخابات المحليات بداية العام المقبل كما كان مخططاً. وتسود حالة من الغضب المكتوم لدى قيادات ائتلاف "دعم مصر"، ممثل الأغلبية داخل البرلمان، من جراء التنازع على ملف الأحزاب بين الاستخبارات العامة، التي تدير الائتلاف من وراء ستار، وجهاز الأمن الوطني الذي عاد إلى صدارة المشهد السياسي خلال انتخابات الرئاسيات، بعدما ضغطت قياداته على الجهات الحكومية، وكبرى العائلات في محافظات الصعيد والدلتا، لدفع المواطنين للتصويت قسراً للسيسي.
الحزب الحاكم
ونبهت المصادر إلى صعوبة تحول ائتلاف الأغلبية إلى حزب حاكم خلال الدورة البرلمانية الحالية، حتى يستطيع أن يكون ظهيراً للنظام في الانتخابات البلدية، لوجود معوقات دستورية تواجه تغيير الصفة الحزبية لأعضائه، وهو ما يدفع أيضاً باتجاه تأجيل المحليات، حتى تتضح الصورة كاملة في انتخابات البرلمان المقبل، الذي من المنتظر أن يشهد حزباً حاكماً لتولي إدارة انتخابات المجالس الشعبية. وأعلن رئيس مجلس النواب المصري، علي عبد العال، فض دور الانعقاد الثالث للبرلمان نهاية الأسبوع المقبل، ومعاودة الانعقاد مطلع أكتوبر/تشرين الأول المقبل، عقب الانتهاء من مناقشة برنامج الحكومة الجديدة، برئاسة مصطفى مدبولي، وهو ما استدعى تمرير 15 تشريعاً في ثلاثة أيام فقط، لعل من أبرزها بيع الجنسية المصرية مقابل وديعة بنكية، وإنشاء صندوق سيادي غير خاضع للرقابة، وزيادة معاشات الوزراء والمحافظين.
سخط شعبي
وحذرت المصادر من وجود حالة "سخط شعبي" في المحافظات التي لم تطاولها عملية التنمية، التي توجهت في غالبيتها إلى أماكن تمركز الساسة والأغنياء، كالعاصمة الإدارية الجديدة في القاهرة، وهو ما أعطى انطباعاً لدى أبناء الدلتا والصعيد بأن الدولة لا تعير محافظاتهم اهتماماً، الأمر الذي يُنذر بتصويت عقابي في تلك المناطق ضد المرشحين المحسوبين على السلطة الحاكمة عند إجراء انتخابات المحليات. وأشارت المصادر إلى تقدم رئيس لجنة الإدارة المحلية في البرلمان، أحمد السجيني، وعدد كبير من أعضاء اللجنة، بطلبات عدة إلى رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، بهدف إدراج مشروع قانون الإدارة المحلية، الذي انتهت منه اللجنة، دون جدوى، مؤكدة أن هناك "جهات عليا" تضغط لعرقلة القانون، وإرجاء مناقشته إلى أجل غير مسمى.
دعوات للتمهل
وقال رئيس لجنة الإدارة المحلية في البرلمان، أحمد السجيني، إنه سلم مشروع القانون إلى هيئة مكتب المجلس، برئاسة عبد العال، قبل عام ونصف العام، على أمل إصداره في دور الانعقاد المنقضي، غير أنه لا توجد بوادر لمناقشة التشريع في مدى قريب، لأسباب تعود إلى عدم توافر التجهيزات اللوجستية التي يجب أن تصاحب صدور القانون، بحسب تعبيره. وأضاف السجيني، في تصريح خاص، أن قانون الإدارة المحلية ليس مجرد تشريع جديد سيصدر، لكنه يرتبط بشكل مباشر بمنظومة إدارة الدولة المصرية، ومدى رغبة القيادة السياسية في مشاركة شعبية حقيقية لمنظومة الحكم، أم الاكتفاء بإدارتها من خلال مؤسسات الرئاسة ومجلسي الوزراء والنواب، لإعطاء فرصة لمحاولات تقوية الأحزاب القائمة للدفع بمرشحيها. وبرر السجيني التأخر في إصدار القانون بـ"وجود دعوات بشأن التمهل في انتخابات المجالس المحلية، في ضوء محاولات الاستهداف الممنهجة للدولة المصرية من دول داعمة قوى الإرهاب والتطرف، خصوصاً أن تلك الانتخابات تشكل مهمة ثقيلة على مؤسسات الدولة، كونها ستشهد انتخاب ما يزيد عن 50 ألف عضو مجلس محلي في مختلف المحافظات".
تعيين المحافظين
وخالف رئيس البرلمان اللائحة المنظمة بعدم التحقيق مع السجيني، في المذكرة التي تقدم بها عضو اللجنة، عبد الحميد كمال، حول تجاهل رئيس اللجنة مناقشة المشروعات المقدمة من النواب عن القانون، والاكتفاء بتمرير المشروع المعد من الحكومة، من دون طرحه للتصويت النهائي على أعضاء اللجنة، بحسب ما تقتضيه لائحة مجلس النواب. وقال كمال إن قانون الحكومة يواجه اعتراضات واسعة من أعضاء اللجنة، لاعتراضهم على العديد من نصوصه، كالتمسك بتعيين رئيس الجمهورية المحافظين، بدلاً من انتخابهم شعبياً، ليكون ولاء المحافظ لمن عيّنه، فضلاً عن عدم منح المجالس المحلية المنتخبة حق سحب الثقة من المحافظين، والإصرار على الانتخاب بنظام القائمة المغلقة عوضاً عن القائمة النسبية. وأوضح كمال، لـ"العربي الجديد"، أن نظام تعيين المحافظين ثبت فشله على مدار 60 سنة، كونه اقتصر على لواءات الجيش والشرطة والقضاة وأساتذة الجامعات، من غير ذوي الخبرة في مجال الإدارة المحلية، أو المحتكين بمشاكل المواطنين، وهو ما يجعلهم يقعون في الأخطاء نفسها، ولا يستمرون في مناصبهم إلا لأشهر معدودة، ومن ثم استبدالهم من الفئات ذاتها.
غياب الرقابة
ويعمل المسؤولون الحكوميون في مصر على إدارة شؤون المحليات، من دون أي رقابة من مجالس محلية منتخبة، علماً بأن الانتخابات المحلية تعد الأهم لارتباطها بتطوير حياة المواطنين في المحافظات، في حين أن آخر انتخابات بلدية أجريت كانت في العام 2008، وهيمن عليها الحزب الوطني المنحل بواقع 90 في المائة، إبان عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك. وأصدر المجلس العسكري، الحاكم في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، مرسوماً بتشكيل مجالس محلية مؤقتة إلى حين إصدار قانون المحليات. لكن التشريع يظل يراوح مكانه على مدار 7 سنوات كاملة، تناوبت عليها ثلاثة مجالس تشريعية، ممثلة في مجلس الشعب (2012)، ومجلس الشورى (2013)، ومجلس النواب (2016).
وفي إبريل/نيسان 2016، اعترف السيسي، خلال كلمته في منتدى تأهيل الشباب للقيادة، بأن "المحليات مليئة بالفساد"، موجهاً بسرعة إجراء الانتخابات البلدية قبل انتهاء العام 2016، وهو ما تجدد في مناسبات عدة خلال 2017 و2018، وكرره رئيس الحكومة السابق، شريف إسماعيل، ورئيس البرلمان بدوره، دون أن يخرج القانون إلى النور. وكان المتحدث باسم البرلمان، صلاح حسب الله، قد صرح بأن مصر ستجري أول انتخابات للمجالس المحلية منذ 10 سنوات خلال النصف الأول من العام 2019، زاعماً حرص البرلمان على إقرار قانون الإدارة المحلية خلال دور الانعقاد المنقضي، وسبقه في ذلك رئيس الوزراء بالقول أمام البرلمان، في مارس/آذار 2016، إن الانتخابات المحلية ستجرى في الربع الأول من العام 2017.