صراع أجهزة داخل حكومة السيسي بعد شهر من ولادتها

15 يوليو 2018
مدبولي أثناء إلقائه خطاب الحكومة في البرلمان (العربي الجديد)
+ الخط -
لم يكد يمرّ شهر واحد على تشكيل الحكومة المصرية الجديدة برئاسة مصطفى مدبولي، حتى ظهر سريعاً صراع الأجهزة داخل بعض الوزارات، نظراً لوجود خلافات بين الجهات السيادية والرقابية في الدولة حول طبيعة ودور وأداء وزراء بعينهم، أو رغبة في إظهار القوة من قبل كل جهاز على حساب الآخر.

وكشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" عن وجود صراع بين الأجهزة السيادية والرقابية في الدولة خلال الفترة الماضية داخل المؤسسات الحكومية، بعد الإعلان رسمياً عن تشكيل الحكومة وأداء وزرائها اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي. وقالت المصادر إنه بعد تشكيل الحكومة واضطلاع هيئة الرقابة الإدارية بممارسة عملها في السيطرة على الوزارات، والتنسيق مع الوزراء الجدد، ظهرت بوادر صراعات بين أجهزة عدة. وأضافت أن "بعض الجهات السيادية حاولت رسم صورة سيئة عن بعض الوزراء خلال أول أسبوعين من تشكيل الحكومة، وهو ما يبدو محاولة لمواجهة تغوُّل الرقابة الإدارية في كل المؤسسات، وابتعاد جهات أخرى، كانت لها سلطات كبيرة داخل الوزارات في أوقات سابقة".

وتابعت المصادر أنّ ثمّة خلافات بين جهاز الرقابة الإدارية وجهات أمنية حول وزير الأوقاف مختار جمعة، فالأول كان لا يرغب في استمراره بالوزارة قبل التغيير الوزاري، لدرجة أن الوزير كان على يقين بعدم استمراره. ولفتت المصادر إلى أنّ جمعة قال لمقربين منه داخل الوزارة إن فرص استمراره في منصبه ضئيلة جداً، وبات إبعاده من الحكومة الجديدة راسخاً. ولكن في كواليس اختيار الوزراء، أصرّت جهات أمنية على استمراره.

ويعود سبب رفض الرقابة الإدارية لاستمرار جمعة بمنصبه، إلى موقفه الرافض لرئيس هيئة الأوقاف السابق أحمد عبد الحافظ، باعتباره فُرض عليه من قبل الهيئة، وبالتالي فإن إعلان الوزير منفرداً تحويله للتحقيق بسبب مخالفات، أثار غضب المسؤولين في هيئة الرقابة الإدارية. وبحسب المصادر، لم يتوقّف غضب الرقابة الإدارية من وزير الأوقاف، وبدا أن ثمّة تربّصاً به، ومتابعة دقيقة لأعمال الوزارة تحت قيادته، رصداً لأي مخالفات يقوم بها.

ويعتبر جمعة من أكثر الوزراء انصياعاً لقرارات وتوجّهات الأجهزة الأمنية، خصوصاً أنه كان جزءاً من الهجوم الذي شنّه النظام الحالي على شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، فضلاً عن تحكمه في المساجد والإبلاغ عن أي أمور تخالف توجهات الدولة العامة.


كذلك، لفتت المصادر إلى أنّ ثمّة خلافات تتعلّق بوزيرة الصحة، الدكتورة هالة زايد، خصوصاً أنه بدا أن هناك تململاً ناحيتها لدى المسؤولين في الدولة، وربما الأمر يتعلّق بمكتب السيسي نفسه. وأكدت المصادر أن صراع الأجهزة طوال الوقت موجود، ولكن الآن سيأخذ شكل "الوشايات" لمسؤولين كبار وبارزين في الدولة، خصوصاً أنّ الرقابة الإدارية باتت المتحكمة في المؤسسات الحكومية، ولا ينازعها أحد فيها، إلا في ما يتعلّق ببعض الوزارات ذات الطبيعة الخاصة، مثل الأوقاف؛ فعملها مع الجهات الأمنية.

ولم تتعجّب المصادر من قرار وزيرة الصحة في ما يتعلق بإذاعة النشيد الوطني في الإذاعات الداخلية بالمستشفيات، إذ إنه يمكن أن يكون "عربوناً" لجهات ما في الدولة، وتحسين صورتها أمام السيسي.

وفي وقت سابق، كشفت مصادر خاصة عن اجتماعات عقدها مسؤولو هيئة الرقابة الإدارية، مع الوزراء، وتحديداً الجدد منهم، لوضع خطوط عريضة حول طريقة التعامل في الفترة المقبلة. واستمرت الاجتماعات لأيام عدة ولساعات طويلة، داخل مقر الوزارات، لمناقشة ملفات عدة، فضلاً عن مراجعة خطة كل وزير من الوزراء الجدد، قبل عرض برنامج الحكومة على مجلس النواب.

من جانبه، قال خبير سياسي في مركز "الأهرام" إنّ "صراع الأجهزة موجود في كل دول العالم، وهذا أمر طبيعي، ولكن هناك دائماً حدوداً لهذا الصراع يحكمه رئيس الدولة أو الجهات المختصة". وأضاف في تصريحات خاصة أنّ "صراع الأجهزة في مصر يرتبط بصورة أساسية بالمصلحة، فكلّ جهاز يرغب في تمرير قرارات ليحقّق مصالحه، أو نوع من صراع النفوذ والقوة، وإثبات كل جهاز أنه متحكم في مقاليد الأوضاع داخل وزارة أو مؤسسة ما".

وتابع الخبير السياسي أنّ "صراع الأجهزة السيادية يبدو مفهوماً في مختلف الدول، ولكن أن يصل هذا الصراع إلى حدّ التحكّم في الوزارات التي تعتبر بعيدة كل البعد عن عمل تلك الجهات والأجهزة، فهنا لا بدّ من التحذير من خطورة هذا الأمر". وأشار إلى أنّ هذا الصراع هو "نتيجة إطلاق رأس النظام الحالي يد تلك الأجهزة في كل كبيرة وصغيرة في الدولة، وداخل دولاب العمل اليومي. وهذه الأمور ليست من اختصاصات هذه الأجهزة، إذ يقتصر دورها فقط على تحريات خاصة بالمرشحين لمناصب قيادية وهمية في الدولة فقط". وتساءل: "ماذا يعني أن يكون هناك مسؤول عن كل ملف وكل وزارة في عدد من الجهات والأجهزة الرقابية والسيادية؟"، مطالباً بضرورة "وقف تغوّل الرؤية الأمنية والمصالح الضيقة بالملفات التي تهمّ المواطن المصري، التي تحتاج بالتأكيد إلى عمل متخصصين بحرية شديدة، خصوصاً في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تشهدها البلاد".

المساهمون