أفرزت سلسلة استهداف الصحافيين العراقيين في بغداد ومدن جنوب ووسط العراق، على يد مليشيات وجماعات مسلحة غالبيتها مرتبطة بإيران، والتي أسفرت عن اختطاف وقتل عدد غير قليل منهم، عودةً واسعة لظاهرة الكتابة بأسماء وهمية، في تذكير بالأسلوب ذاته التي اتبعه صحافيو مدن شمال وغرب العراق خوفاً من استهداف الجماعات الإرهابية لهم بدءًا بتنظيم القاعدة ومن ثم تنظيم "داعش". الاستهدافات التي لم يسلم منها حتى الصحافيون الشباب والمدونون، فضلاً عن اقتحام مكاتب صحف وقنوات محلية عراقية وغير عراقية في بغداد وجنوبي البلاد، من دون أن تقدم قوات الأمن المتورطين رغم إعلانها تشكيل لجان تحقيق مع كل حادث، هو ما جعل كثيرين يغيرون أسماءهم ويكتبون بأسماء ثانية خوفاً على حياتهم، وهي الطريقة التي لا تتناسب مع مساحات حريات الصحافة والإعلام والتعبير، بحسب مختصين بمجال حقوق الإنسان.
ووفقاً لتقارير وبيانات منظمات معنية بحرية الصحافة، فقد بلغ عدد الضحايا العاملين بمجال الصحافة والإعلام منذ احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول الماضي، 10، بين صحافيين ومصورين، أغلبهم في بغداد والبصرة. كما سجل اختطاف 14، تم إطلاق سراح أغلبهم، باستثناء اثنين، هما الصحافيان مازن لطيف وتوفيق التميمي إذ لا يزال مصيرهما مجهولاً، بالإضافة إلى المدون عبد المسيح روميو، وجميعهم من بغداد.
في السياق، تقول الصحافية رسل عبد السلام، وهي مراسلة أخبار في موقع إلكتروني محلي، إن "الصحافي في العراق يعيش حالة رعب مستمرة، وحتى في أوقات الاسترخاء الأمني والتطمينات الحكومية بشأن حماية الناشطين والإعلاميين والصحافيين، فإننا نُفجع بحوادث اغتيال وقتل واختطاف وتغييب. ولعل حادثة اغتيال هشام الهاشمي كانت خير دليل، إذ لم يكن هناك أي توتر أمني على مستوى العراق، بل كانت الأجواء عادية جداً حتى أن التظاهرات تراجعت كثيراً. إلا أن الهاشمي سقط قتيلاً على يد مجهولين بسبب دراسة أجراها تتعلق بالخلافات بين الفصائل الولائية والعراقية من جهة، ومستقبل الحشد الشعبي من جهة أخرى".
وتُبيّن عبد السلام لـ"العربي الجديد" أن "ظاهرة الأسماء المستعارة والحركية عادت من جديد في المواقع الإخبارية، لدرجة أنه باتت من الصعب قراءة مادة خبرية أو تحليلية عن الأوضاع في العراق أو الحالة الأمنية أو عن الفصائل المسلحة لصحافي يكتب باسمه الصريح. إلا الذين يعيشون خارج العراق، وتظهر أسماؤهم في الموضوعات غير الهامة على المستوى السياسي والأمني، إنما في المواد الصحافية المنوعة والحوارات والظواهر الاجتماعية وما يتعلق بتطورات جائحة كورونا، وغيرها". وتوضح أن "عودة الظاهرة تدل على انهيار الأمن في البلاد، وعدم قدرة الحكومة العراقية وأجهزتها الأمنية الكثيرة على فرض الأمن والسيطرة على السلاح المنفلت بيد العصابات والجماعات التي توالي الأحزاب ودول الخارج".
من جهته، يشير مسؤول قسم التقارير والتحقيقات في موقع عراقي، رفض الكشف عن اسمه، إلى أن "العاملين لديه من الصحافيين العراقيين وهم حوالي 10 أشخاص، أكثرهم طالبوا الإدارة بأن يستبدلوا أسماءهم، وقد استجابت لهم من أجل الحفاظ على سلامتهم ومنع تعرضهم لأي تهديد أو ما هو أخطر من ذلك". ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "ما هو مرعب بالنسبة للصحافيين أن جميع الأحزاب العراقية والفصائل المسلحة تمتلك غرف رصد لمعرفة الصحافيين في بغداد ومحافظات وسط وجنوب البلاد الذين يكتبون لمراكز بحوث وصحف عربية وأجنبية. والأكثر رعباً من ذلك أن أجهزة أمنية استخباراتية، وتحديداً جهاز الأمن الوطني يرصد تحركات ويتابع هؤلاء الصحافيين ويعرف محال إقامتهم، وبالتالي فإن المعلومات التي يعرفها الأمن الوطني تعرفها المليشيات وهو ما يزيد خطورة الأوضاع في بغداد".
ويلفت الناشط السياسي وعضو الحزب الشيوعي العراقي، أيهم رشاد، إلى أن "الخطر يهدد حالياً الصحافيين خصوصاً، وتحديداً العاملين في المؤسسات العربية والأجنبية على اعتبار أن تأثيرهم أكبر وأقسى على المليشيات النافذة في البلاد، وبالتالي فهم يخشون رصاص الغدر من الجماعات المسلحة، وكثير منهم فضّلوا اللجوء إلى إقليم كردستان والعمل من هناك". ويضيف في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الجماعات المسلحة لا تؤمن بالحوار ولغة التفاهم، إنها تقتل مباشرة كل من يهدد مصالحها سواء على مستوى الفعل كما حصل مع المتظاهرين السلميين أو على مستوى الرأي والتعبير كما حصل مع الصحافي أحمد عبدالصمد وهشام الهاشمي وغيرهما".
ويشير رشاد إلى أن "أحد الصحافيين العاملين في وكالة أجنبية تعرض للتهديد واضطر إلى ترك بغداد خلال الأسبوع الماضي، فيما كانت الجماعة المسلحة التي هددته قالت له إنه في مرماها وعليه ألا يتحدث عن "الفصائل الولائية" بسوء لأنها بريئة من دماء العراقيين. وهنا تثبت هذه الفصائل الولائية أنها متورطة بدماء العراقيين والدليل أنها هددت الصحافي بالقتل"، مشيراً إلى أن "بعض الناشطين المؤثرين في الحراك الشعبي والاحتجاجات أجبروا على إغلاق صفحاتهم في فيسبوك والتعويض عنها بصفحات وهمية، بعد أن تعرضوا لسلسلة من الشتائم والوعيد بالملاحقات والقتل".
من جانبه، يؤكد عضو لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي، أرشد الصالحي، أن "العراق وبسبب السلاح المتفلت بات بيئة طاردة للكفاءات والمثقفين والصحافيين، وصار العالم يعتبر العراق من البلدان القاتلة للرأي وبالتالي لا بد من الحكومة أن تتدخل وتمنع كل أشكال الاعتداء على أصحاب الرأي الذين يهدفون إلى تأسيس دولة محترمة". ويعتبر في اتصالٍ مع "العربي الجديد" أن "قتل الصحافي أو تهديده لا يعني انتهاء الروح الرافضة للظلم لدى العراقيين الأحرار، بل إن هذه الانتهاكات تزيد من عناد وإصرار الصحافيين على المواصلة عبر أسماء مستعارة أو حركية في الصحف والمواقع، وهذا ما لا تدركه الجماعات المسلحة".