صبّاغ الأحذية... مهنة تنتعش في بغداد مع اتساع رقعة الفقر

بغداد

محمد الملحم

avata
محمد الملحم
24 يونيو 2019
3B3379E2-8C8A-4E09-B7F4-F4FFBD8E46B5
+ الخط -
على أبواب الجامعات والكليات والدوائر الحكومية والمقاهي في بغداد، ينتشر أطفال ومراهقون وشبان ورجال تجاوز بعضهم العقد السادس من العمر، مع صندوق خشبي وعلب دهان وقطع قماش ملونة، ويشيرون للمارّة أو يومئون لهم بلطف كي يلمعوا أحذيتهم، مقابل ألف دينار عراقي (نحو 80 سنتاً).

مهنة صباغ الأحذية التي عاودت الانتشار في بلد تبلغ موازنته 114 مليار دولار، أي ما يعادل موازنة خمس دول عربية، يعتبرها مراقبون بأنها أحد آثار الفساد المتفشي في الدولة العراقية، بحيث تدفع من لا يجد عملاً يحفظ له عيشاً كريماً إلى حمل قطعة قماش يلمع بها أحذية المارّة.

ورغم أن كثيراً من المارّة يستصعبون فكرة أن يلمع حذاءهم رجل مسنّ أو شاب، فإن العاملين في تلك المهنة يعتبرونها عملاً شريفاً، وأفضل من السرقة أو البطالة والتفرج على العائلة وهي بحاجة للطعام أو الملابس.

يضع محمد عباس صندوق العمل الخاص به كصباغ أحذية كما هو اسم المهنة في العراق، ويجلس على حافة الطريق المؤدي إلى شارع المتنبي كل يوم جمعة، ويقضي بقية أيام الأسبوع في منطقة باب المعظم وسط العاصمة بغداد. ويحرص على البقاء في الأماكن المزدحمة لاستقطاب المارّة ممن كسا الغبار أحذيتهم أو اتسخت لأي سبب كان، ليعيدها أنيقة ونظيفة مقابل أجر بسيط مقداره ألف دينار عراقي، أي نحو 80 سنتاً.

يقول محمد عباس لـ"العربي الجديد": "العمل شرف، لكني لليوم أذكر أول يوم حملت به صندوق أدوات صبغ الأحذية وكيف أحسست بالخذلان، لكني استعذت بالله وقررت إكمال مسيرة الحياة لكسب العيش الحلال، وإيصال أبنائي لبر الأمان، متمنياً لهم حياة مختلفة وأفضل من التي عشتها".

يكسبون الرزق الحلال (العربي الجديد) 

ويضيف: "صبغ الأحذية لا يحتاج إلى جهد بل يحتاج إلى جرأة لكسر الحاجز النفسي، ومرضي جعلني أبدع في هذه المهنة وأنال خبرة وسرعة، فأنا لا أقوى على العمل الشاق لإصابة في قدمي ومجموعة من الأمراض تلازمني".

ويشكو عباس قائلاً: "أنا لا أملك في بلدي العراق شبراً واحداً، وأعيش وأسرتي بإلايجار، ولم أقبض من أي حكومة متعاقبة على حكم العراق أي راتب، وحتى رواتب الإعانة الاجتماعية لم أحصل عليها، وهذا حالي منذ 16 عاماً أعمل صباغ أحذية، والحمد لله".

الناشط علاء خضير يقول: "إن صباغ الأحذية لا يمثل الذوق العام للمجتمع العراقي، ولا يمثل الواقع الحضاري ولا يمثل الواقع الثقافي للمجتمع العراقي". ويضيف خضير لـ"العربي الجديد"، "أعتقد أن تردي الواقع الاقتصادي أدى إلى إنتاج عادات وتقاليد أخرجها الواقع الاقتصادي".

لم تكن مهنة أبناء العراق في السابق (العربي الجديد) 

ومن جهته، يقول جودت كاظم لـ"العربي الجديد": "نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي بسبب الأزمات المتعاقبة على الشارع العراقي، اضطر المواطن العراقي لإيجاد حلول ووسائل لكسب المال، ومن ضمن هذه الوسائل صبغ الحذاء".

ويعرب كاظم عن احترامه لصباغ الأحذية قائلاً: "أعرف الكثير ممن امتهن هذه المهنة من أصحاب الشهادات ولم ينالوا حظوظهم في التعيين، لكن الظرف القاهر جعلهم يمتهنون هذه المهنة، لكن أولاً وأخيراً هم بشر لهم كامل الاحترام ولذواتهم الشريفة التي لم تصل للحرام ويكسبون الحلال بهذه المهنة البسيطة".

الباحث بشؤون المجتمع العراقي محسن البهادلي يعتبر "أن مهنة صباغ الأحذية من المهن المستحدثة على الشارع والفرد العراقي، وكانت مقتصرة على أنفار قليلة ممن اضطرهم العوز على العمل بها، وكانت على مر عقود مضت مهنة للوافدين على العراق من الجنسيات الأخرى، لكن العامل الاقتصادي يجبر الفرد على العمل بهذه المهنة".

ويبدي البهادلي في حديث لـ"العربي الجديد"، احترامه لصباغ الأحذية قائلاً: "كل الحب والاحترام لهذا الرجل الذي لم تضطره الظروف الاقتصادية الصعبة للّجوء إلى الحرام، بالعكس جعل كسب رزقه الحلال من خلال مهنة شريفة تعينه على تحدي الصعاب".

المواطن محمد البغدادي يقول لـ"العربي الجديد": "مهنة صباغ الأحذية مهنة شريفة، ولكن لو الفرد العراقي نال حقه الطبيعي في العراق ما وجدت عراقياً يعمل بها".

ويوضح صباغ الأحذية علي غني لـ"العربي الجديد"، أنه يعمل صباغاً للأحذية منذ سبع سنوات، و"مندمج بعملي هذا والحمد لله أن رزقي من الحلال". ويضيف غني: "كان لي محل تجاري لبيع الأدوات المنزلية وخسرت فيه كل أموالي لأسباب كثيرة، أهمها ارتفاع الضرائب على المحالّ التجارية وزيادة الإيجار، خسرت بضاعتي واتجهت للعمل في صبغ الأحذية لكسب قوتي، علماً أني أعيش حياة صعبة جداً، والحمد لله على كل حال".

ذات صلة

الصورة

منوعات

دفعت الحالة المعيشية المتردية وسوء الأوضاع في سورية أصحاب التحف والمقتنيات النادرة إلى بيعها، رغم ما تحمله من معانٍ اجتماعية ومعنوية وعائلية بالنسبة إليهم.
الصورة
عراقي يتحدى إعاقته (العربي الجديد)

مجتمع

لم يستسلم الشاب العراقي مصطفى إسماعيل (30 عاماً) المصاب بالشلل الرباعي لإعاقته، ولا للظروف المعيشية الصعبة المحيطة به، وتمكّن متسلحاً بالإرادة الصلبة من تحقيق حلمه في افتتاح مكتبته الخاصة، أخيراً، في شارع النجفي بمدينة الموصل.
الصورة
احتجاجات في فرنسا على مقتل نائل م. (فراس عبد الله/ الأناضول)

مجتمع

أعاد مقتل نائل م. برصاص شرطي فرنسي في مدينة نانتير بالضاحية الغربية للعاصمة باريس، وكذلك الاحتجاجات الليلية في مدن فرنسية عدّة، آفات عميقة يعاني منها المجتمع الفرنسي إلى الواجهة.
الصورة
المهجر السوري سطام (عامر السيد علي)

مجتمع

تزداد مصاعب السوريين في شمال غربي البلاد، وكأن حرب النظام لا تكفيهم، بل تزيد الكوارث الطبيعية معاناتهم بعد رحلة التهجير القاسية، حتى باتت عائلات بكاملها مجبرة على العمل لأجل تأمين لقمة العيش، في ظل تدني الأجور وقلة فرص العمل، وتفشي الفقر.
المساهمون