صبرينة قريشي... اكتشاف الموسم الرمضاني في الجزائر

31 مايو 2018
تُؤدّي قريشي دور خوخة (فيسبوك)
+ الخط -
في أحد حواراتها الصحافية، تنتقد الممثّلة الجزائرية، صبرينة قريشي (1980)، تفضيل بعض الممثّلات الوقوف على خشبة المسرح بكامل جمالهن إن كانت الشخصيات التي يُجسّدنها لا تتطلّب ذلك، معتبرةً الأمر بمثابة خيانةٍ للشخصية. بالنسبة إليها، فإن جمال الممثّلة الحقيقي يكمُن في أداء دورها بصدق.
ظهرت قريشي بشكلٍ يتناغم مع رؤيتها تلك في مسرحية "كشرودة" (2017) للمخرج أحمد رزّاق؛ حين أدّت دور يمينة، الأم الكفيفة ذات الملامح المُرعبة والشعر المجعّد والمنكوش، كبقيّة شخوص العرض التي تبدو أقرب إلى مسوخٍ بشرية.

منحَها الدور جائزة أفضل ممثّلة في الدورة الثانية عشرة من "المهرجان الوطني للمسرح المحترف" التي أُقيمت في كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، مُكرّساً اسمها في المشهد المسرحي الجزائري.
قبل ذلك، وقفت الممثّلة على الخشبة، إلى جانب واحد وعشرين ممثّلاً أدّوا أدوار أعواد ثقابٍ في مسرحية "طرشاقة" (2016) من تأليف وإخراج رزّاق أيضاً. وكان الرابط بين العملَين عودتهما إلى المسرح الكوميدي الشعبي، ونجاحهما في استقطاب جمهورٍ كبير، كما لم يفعل غيرهما من العروض المسرحية الجزائرية خلال السنوات الأخيرة.
في رمضان الحالي، تخوض قريشي تجربة التمثيل التلفزيوني لأوّل مرّة، من خلال مسلسلَين كوميديَّين يحظيان بمتابعةٍ كبيرة؛ هما "باب الدشرة" و"ميسي". في كلا العملَين، تحشد طاقاتها التمثيلية لتصنع حالة كوميدية استثنائية، يبدو الشكلُ أحد عناصرها الأساسية.
في "باب الدشرة" للمخرج وليد بوشباح، تُؤدّي دور خوخة التي تعيش في عائلةٍ قروية تستقبل ابنها القادم من المدينة رفقة زوجته التي ترفض تقبُّل البيئة الجديدة. ورغم أن العمل جمع نخبةً من الممثّلين الكوميديّين اللامعين، أبرزهم باية بوزار المعروفة باسم بيّونة، والتي تُؤدّي دور الأمّ فطّومة، فإن قريشي نجحت في لفت الأنظار بأداء بارع.

تجتمع الأزياء وتسريحة الشعر وطريقة النطق في صنع شخصية الابنة الحمقاء التي لا تخلو سلوكاتها وتعليقاتها من الطرافة. ولعلّ اللهجة القسنطينية زادتها جمالاً. واللافت أن الشخصية تنطوي على أكثر من دور؛ فخوخة أختٌ وابنةٌ وأمّ وزوجة وأخت زوج في الوقت نفسه. وكلّ حالةٍ تخلق سياقاتها الدرامية الخاصّة. لكن أبرزها هو دور الزوجة الذي يضعها في ثنائي مع الخلوي (الممثّل أحسن بشّار)، حارس باب القرية الذي يُعاني من تسلّط حماته.
على أن الأداء اللافت لا يقتصر على الجانب الكوميدي. في الحلقة الثامنة، تُصاب بقرتها جوجو بمرضٍ غريب، فتُضفي خوخة على العمل لمسةً درامية مؤثّرة من دون الخروج عن السياق الكوميدي العام، انتهت بابتسامةٍ عريضة حين نجحت زوجة الأخ سارة (نوميديا لزول) في علاج البقرة المدلّلة.
وفي "ميسي"، للمخرج محمد نزيم قايدي، تُؤدّي دور سعاد ضمن فضاءٍ مغلق يُمثّل مطبخاً يجتمع فيه عددٌ من العاملات اللواتي يكِدن لزميلة جديدة تحظى بمكانةٍ مميّزة لدى صاحبة العمل، ضمن تعليقاتٍ ومواقف طريفة. يتميّز المسلسل بجمعه شخصياتٍ متنوّعة تتحدّث بلهجاتٍ جزائرية مختلفة، وسعاد، الشرّيرة الظريفة، هي واحدةٌ من أبرز تلك الشخصيات.
تبدو المعرفة المسرحية واضحةً في أداء قُريشي التي سبق أن قدّمت عدداً من الأعمال المسرحية؛ من أبرزها، إضافةً إلى "طرشاقة" و"كشرودة": "خرجت" لـ تونس آيت علي، و"الصاعدون إلى الأسفل" لـ أحمد رزّاق، و"الكلمة الثالثة" لـ عيسى جقاطي، و"تحوّلات" لـ مهدي محمد، و"النائب المحترم" لـ كريم بودشيش. والجيّد أن تلك الخلفية خدمت الأداء التلفزيوني ولم تُفسده.

وصبرينة قريشي هي إحدى أفضل الممثّلات الجزائريات في الموسم الرمضاني الحالي. ولعلّنا لا نبالغ إن قلنا إنها الاكتشاف الأبرز فيه، وهو ما تعكسه تعليقات متابعي العملَين على الشبكات الاجتماعية. والمؤكّد أن هذا النجاح يتطلّب منها تنويعاً، ليس في الأدوار فحسب، بل في طبيعة الشخصيات مستقبلاً، كي تتجنب الوقوع في فخّ التكرار والنمطيّة.
المساهمون