02 ديسمبر 2019
صبرا.. من حاضن للمقاومة الفلسطينية إلى ملجأ للفقراء
محمود العلي
باحث فلسطيني، دكتوراه في علم الاجتماع. عمل استاذاً مساعداً في معهد العلوم الاجتماعية - الجامعة اللبنانية، وفي عدّة وظائف في "الأونروا"، باحث ومنسق مركز حقوق اللاجئين – عائدون.
يشيع عند كثيرين أن صبرا (في لبنان) حي يعيش فيه الفلسطينيون، وخصوصاً عبر ربطه بمخيم شاتيلا المحاذي، وبالمجزرة التي ارتكبها الكيان الصهيوني بأبناء المنطقة في سبتمبر/ أيلول 1982، والتي عرفت حينها بمجزرة صبرا وشاتيلا. والحقيقة أنه ينبغي الفصل بين الاسم المركّب لهذه المنطقة، أي صبرا وشاتيلا، فالفلسطينيون هناك يقيمون في مخيّم تعترف به هيئة الأمم المتحدة لإغاثة لاجئي فلسطين (أونروا) واسمه مخيم شاتيلا. وتقدّم الوكالة في المخيم الخدمات التعليمية والصحية لأبناء اللاجئين الفلسطينيين المقيمين هناك. ومن بين القاطنين فيه حالياً لاجئون فلسطينيون فرّوا من سورية، نتيجة النزاع الذي أدت بعض نتائجه إلى استهداف المخيمات التي يقطنون فيها، مخيم اليرموك مثلاً. ويقع حيّ صبرا اللبناني مباشرة بمحاذاة مخيم شاتيلا، ولذا فإن المنطقة ليست كلها محسوبة سكنياً للاجئين الفلسطينيين. والحقيقة أن حي صبرا الذي يقع على تخوم كلّ من محافظتي بيروت وجبل لبنان هو لبنانيٌّ بأكثريته، والفلسطينيون فيه قليلون. ويعدّ هذا الحيّ من ضمن أحياء ضواحي بيروت الجنوبية، وتحدّه من الشمال الطريق الجديدة، ومن الشرق حيّ الغبيري، ومن الجنوب والغرب منطقة بئر حسن. وتشكل ساحة صبرا الآن مركزاً تجارياً محورياً للفقراء والمحرومين، وفيها تُباع الخضار والفواكه والملابس واللحوم وغير ذلك من الحاجات البشرية.
كانت صبرا قبل العدوان الصهيوني على لبنان عام 1982 حاضنة لوجود المقاومة الفلسطينية
المسلحة، بوجود مكاتب لمختلف الفصائل الفلسطينية فيها وحولها، إلى درجة أن كثيرين اعتقدوا أنها تجمع فلسطيني بامتياز، مع أن هنالك تجمعاً فلسطينياً في شمالها يسمى الداعوق، قرب مركز الرعاية الإسلامية لكبار السن، وتجمعاً آخر يسمّى سعيد غواش. ولكن لأنهما في المحيط، وليس في الشارع الرئيسي، فإنهما لم يتمتعا بالصفة النضالية لشارع صبرا الذي أصبح سوق صبرا. كما ويذكر أحد الصحافيين أن في التجمُّعات المحاذية للسوق، والمعروفة باسم سعيد غواش والداعوق، نحو سبعة آلاف فلسطيني لاجئ. وأُطلِقَت التسميّة على تجمُّع سعيد غواش نسبةً إلى مسؤول وحدة الكفاح المسلَّح في منطقة صبرا الذي قُتِلَ في أثناء تصدّيه لعصابات المخدّرات التي كانت تحاول أن تعيث فساداً داخل المجتمع الفلسطيني، بينما تُطلَق تسمية تجمُّع الداعوق نسبةً إلى عمر الداعوق، والذي سمح للفلسطينيين اللاجئين في عام 1948 بإشغال عقار تابع له "إلى حين عودتهم إلى ديارهم".
وفي عودةٍ لفكرة إطلاق لقب المخيم على منطقة صبرا، من الأمثلة على ذلك مقال للكاتبة اللبنانية، دلال البزري، في صحيفة المستقبل في 15 /6/ 2014، تحت عنوان "الدخول الى مخيم صبرا الفلسطيني". ونشر خبر في موقع النشرة الإلكتروني يوم 16/9/2018 عن جريحين في الإشكال الذي وقع في "محيط مخيم صبرا". وذكر سامي إبراهيم في مقال له بعنوان "سعيد غواش والداعوق: تجمُّعاتٌ تستحقُّ الحياة، لكن لا حياة لمَن تنادي" نشر في مجلة "القدس" العدد 335 في 6/4/2017، وهي المجلة التي ترد في الموقع الرسمي لحركة فتح لبنان؛ ذكر أن كثيرين مَن لا يعرفون الفرق بين مخيَّم صبرا وشاتيلا.
ونشرت رنا أسامة في 16 /9/1982 في موقع https://www.masrawy.com/news/news_publicaffairs/، عن الذكرى الـ 36 على المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل والمليشيات اللبنانية الانعزالية المناوئة لها، في مُخيّم "صبرا وشاتيلا" الذي أسّسته وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عام 1949، بهدف إيواء مئات اللاجئين الفلسطينيين بعد عام 1948. والكاتب علي عاشور، حسب ما ورد في مصدره العائد لإذاعة النور، كتب تحت عنوان "لبنان كي لا ننسى"، في 16/9/ 1982، أن مخيّم صبرا وشاتيلا شاهدٌ على إجرام العدو الصهيوني وعملائه. وجاء في مقالته أن التاريخ أرخى أشدّ لياليه ظلمة على مخيّم صبرا وشاتيلا، وخطف
معه بسمات أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني من النساء والشيوخ والأطفال والأجنّة التي لم تبصر النور بعد. وفوق ذلك، هنالك مقالات وأخبار تشير إلى صبرا باعتبارها مخيماً.
وعلى أية حال، مع خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان، وإثر المجازر التي ارتكبت في المنطقة، يرتبط اسم منطقتي صبرا وشاتيلا بذكرياتٍ عن المجزرة المروعة في 16/ سبتمبر/ أيلول من عام 1982، والتي نفذتها تحت قيادة وزير الحرب الإسرائيلي، أرئيل شارون، آنذاك، إبّان الاجتياح الإسرائيلي بيروت، مليشيا لبنانية مسلحة موالية له، كانت مؤلفة وقتها من منتمين لحزب الكتائب اللبناني تحت إمرة إيلي حبيقة، المسؤول الكتائبي المتنفذ والذي اغتيل فيما بعد، بالإضافة إلى مليشيا "جيش لبنان الجنوبي" بقيادة سعد حداد، والذي كان رائداً في الجيش، ويقود وحدة عسكرية تضم أربعمئة جندي في بلدة القليعة (جنوب)، قبل أن ينشقّ عن الجيش ويتحالف مع إسرائيل، مشكلاً تلك المليشيا المناهضة للوجود الفلسطيني في لبنان. وجرت عملية القتل بشكل تدريجي، ابتداءً من منطقة بئر حسن، وانتهت في مستشفى غزة في صبرا. وقدّرت مصادر عدد الشهداء وقتها بين 3500 إلى 5000 شهيد من أصل عشرين ألف نسمة كانوا يقطنون مخيمي صبرا وشاتيلا، وقت حصول المجزرة. وظهرت صور من مخيمي صبرا وشاتيلا بعد انتهاء المجزرة فظيعة، لأطفالٍ عزل أغرقوا بدمائهم ورضّع أبعدوا عن أمهاتهم، ونساء مغتصبات وأخريات شقت بطونهن، وشيوخ لا يقوون على المقاومة، وجدوا جميعهم جثثاً هامدة. ففي ليل "الخميس الأسود"، كما يصفه الفلسطينيون واللبنانيون، قتل الجيش الإسرائيلي ترافقه المجموعات الانعزالية اللبنانية، وما سمي جيش لبنان الجنوبي (عملاء إسرائيل) المدنيين بلا هوادة، إذ وجد أطفال في سني الثالثة والرابعة غرقى في دمائهم، وحوامل بقرت بطونهن، ونساء تم اغتصابهن قبل قتلهن، ورجال وشيوخ ذبحوا وقتلوا، وكل من حاول الهرب كان القتل مصيره! وحينها نشروا الرعب في ربوع المخيم، وتركوا ذكرى سوداء مأساوية وألماً لا يمحوه مرور الأيام في نفوس من نجوا من أبناء المخيمين.
ومع مرور الزمن، تحوّلت منطقة صبرا وشارعها الرئيسي، إثر خروج القوات الإسرائيلية من بيروت، إلى سوق للخضار، يشكل الجاذب الأول للمتسوقين، بسبب تدنّي أسعار المبيع فيها عنها في كل المناطق الأخرى، كما افتتحت فيه محلات عديدة لبيع مختلف اللحوم للأبقار والغنم والماعز والدجاج، وأصبحت صبرا تشتهر بسوقها الذي يرتاده أبناء الطبقات الفقيرة من مختلف الأحياء القريبة والبعيدة. وعلى الرغم من أنه توجد في شارع صبرا محلاتٌ يديرها
الفلسطينيون، إلا أن الأكثرية الساحقة من مديري المتاجر والمحلات هم من اللبنانيين، إضافة إلى السوريين الذين باتوا فاعلين تجارياً في الشارع الممتد من صبرا مروراً بجانب مخيم شاتيلا، وصولاً إلى منطقة الرحاب القريبة من السفارة الكويتية، والتي تحولت، مع مرور الزمن، إلى مركز تجاري للسوريين. ولذا سميت سوق الحميدية، وهو اسم السوق التجاري الأساسي والكبير في دمشق. وأبرز إشارات مواقع بقاء الوجود الفلسطيني في شارع صبرا هو مستشفى غزة الذي بنته منظمة التحرير، بهدف تقديم العون الصحي للفلسطينيين وغيرهم ممن لهم علاقة بالمقاومة الفلسطينية، قبل اجتياح الكيان الصهيوني لبيروت عام 1982، والذي تحول إلى موقع سكن للفقراء والمعوزين من اللاجئين الذين أكثريتهم من مخيمي تل الزعتر والنبطية، اللذين دمّرتهما إسرائيل وحلفاؤها في الحروب التي استهدفت الفلسطينيين في لبنان.
ولافت أن شارع صبرا، بساحته الرئيسية، تحول مع مرور السنين، في تركيبته التجارية، من مركز للبنانيين والفلسطينيين إلى موقع للعمال الأجانب متعددي الجنسيات، وأكثريتهم من القادمين من بنغلادش وسريلانكا والسودان، وبعضهم قادم من سورية ومصر وغيرهما. ويعزو كثيرون السبب في جذب هذه المنطقة هذه اليد العاملة إلى تدنّي إيجارات المساكن فيها، بسبب عشوائية هذه المنطقة، وانتشار الأبنية السكنية المتواضعة التي بنيت فيها من دون تراخيص،
في أثناء فترة الانفلات الأمني في لبنان.
وفيما كانت صبرا في السابق من مواقع المقاومة الفلسطينية، أصبحت، مع مرور الزمن، من مواقع حزام البؤس الذي يتراكض التعساء للتجمع فيه، ويشكلون خزاناً بشرياً من خزانات اليد العاملة الرخيصة. وقد باتت هذه الفئات من الجنسيات المختلفة تستفيد من حالة سوق صبرا الرخيص، بحيث بات هؤلاء يتمركزون ببضائعهم يوم الأحد في منتصف السوق التجاري، حيث يبيعون بعض المواد والخضار، ومنها مأكولات خضرية خاصة بهم، وغير مألوفة لدى اللبنانيين والفلسطينيين. وأكثر من ذلك، بادر بعضهم إلى استئجار بعض المحلات في سوق صبرا الرئيسي، بحيث أصبحت بنية هذا السوق متنوعة الهويات، ما يمكن أن يطلق عليه "بنية كوزومبولتيانية". وهي مؤشر ليس على النشاط الفعال للعاملين الأجانب، كالبنغلادشيين والسريلانكيين وغيرهم وحسب، وإنما هي تعبير عن استعداد هذه الفئة لقبول الحد الأدنى من المداخيل النقدية التي لا يشعر اللبنانيون والفلسطينيون المقيمون في لبنان أنها باتت تناسب حالة الوضع الاقتصادي المزري الذي يعيشونه، والتي لا تتناسب وتنسجم مع المداخيل التي يحتاجها المواطنون اللبنانيون واللاجئون الفلسطينيون المقيمون في لبنان، لتوفير المداخيل للحياة المعيشية المرتفعة التكلفة. وفي المقابل، إذا ما تمكن الأجانب من تحصيل مبالغ متواضعة، فإنها على ما يبدو كافية لتغطية النفقات المعيشية لأهاليهم وأسرهم في البلدان التي وفدوا منها، لأن تكلفة المواد المعيشية وإيجارات السكن، وغيرها من الحاجات في بلدانهم، هي أكثر رخصاً مما يواجهه المقيمون في لبنان، أكانوا مواطنين لبنانيين أم لاجئين من فلسطين.
وفي عودةٍ لفكرة إطلاق لقب المخيم على منطقة صبرا، من الأمثلة على ذلك مقال للكاتبة اللبنانية، دلال البزري، في صحيفة المستقبل في 15 /6/ 2014، تحت عنوان "الدخول الى مخيم صبرا الفلسطيني". ونشر خبر في موقع النشرة الإلكتروني يوم 16/9/2018 عن جريحين في الإشكال الذي وقع في "محيط مخيم صبرا". وذكر سامي إبراهيم في مقال له بعنوان "سعيد غواش والداعوق: تجمُّعاتٌ تستحقُّ الحياة، لكن لا حياة لمَن تنادي" نشر في مجلة "القدس" العدد 335 في 6/4/2017، وهي المجلة التي ترد في الموقع الرسمي لحركة فتح لبنان؛ ذكر أن كثيرين مَن لا يعرفون الفرق بين مخيَّم صبرا وشاتيلا.
ونشرت رنا أسامة في 16 /9/1982 في موقع https://www.masrawy.com/news/news_publicaffairs/، عن الذكرى الـ 36 على المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل والمليشيات اللبنانية الانعزالية المناوئة لها، في مُخيّم "صبرا وشاتيلا" الذي أسّسته وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عام 1949، بهدف إيواء مئات اللاجئين الفلسطينيين بعد عام 1948. والكاتب علي عاشور، حسب ما ورد في مصدره العائد لإذاعة النور، كتب تحت عنوان "لبنان كي لا ننسى"، في 16/9/ 1982، أن مخيّم صبرا وشاتيلا شاهدٌ على إجرام العدو الصهيوني وعملائه. وجاء في مقالته أن التاريخ أرخى أشدّ لياليه ظلمة على مخيّم صبرا وشاتيلا، وخطف
وعلى أية حال، مع خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان، وإثر المجازر التي ارتكبت في المنطقة، يرتبط اسم منطقتي صبرا وشاتيلا بذكرياتٍ عن المجزرة المروعة في 16/ سبتمبر/ أيلول من عام 1982، والتي نفذتها تحت قيادة وزير الحرب الإسرائيلي، أرئيل شارون، آنذاك، إبّان الاجتياح الإسرائيلي بيروت، مليشيا لبنانية مسلحة موالية له، كانت مؤلفة وقتها من منتمين لحزب الكتائب اللبناني تحت إمرة إيلي حبيقة، المسؤول الكتائبي المتنفذ والذي اغتيل فيما بعد، بالإضافة إلى مليشيا "جيش لبنان الجنوبي" بقيادة سعد حداد، والذي كان رائداً في الجيش، ويقود وحدة عسكرية تضم أربعمئة جندي في بلدة القليعة (جنوب)، قبل أن ينشقّ عن الجيش ويتحالف مع إسرائيل، مشكلاً تلك المليشيا المناهضة للوجود الفلسطيني في لبنان. وجرت عملية القتل بشكل تدريجي، ابتداءً من منطقة بئر حسن، وانتهت في مستشفى غزة في صبرا. وقدّرت مصادر عدد الشهداء وقتها بين 3500 إلى 5000 شهيد من أصل عشرين ألف نسمة كانوا يقطنون مخيمي صبرا وشاتيلا، وقت حصول المجزرة. وظهرت صور من مخيمي صبرا وشاتيلا بعد انتهاء المجزرة فظيعة، لأطفالٍ عزل أغرقوا بدمائهم ورضّع أبعدوا عن أمهاتهم، ونساء مغتصبات وأخريات شقت بطونهن، وشيوخ لا يقوون على المقاومة، وجدوا جميعهم جثثاً هامدة. ففي ليل "الخميس الأسود"، كما يصفه الفلسطينيون واللبنانيون، قتل الجيش الإسرائيلي ترافقه المجموعات الانعزالية اللبنانية، وما سمي جيش لبنان الجنوبي (عملاء إسرائيل) المدنيين بلا هوادة، إذ وجد أطفال في سني الثالثة والرابعة غرقى في دمائهم، وحوامل بقرت بطونهن، ونساء تم اغتصابهن قبل قتلهن، ورجال وشيوخ ذبحوا وقتلوا، وكل من حاول الهرب كان القتل مصيره! وحينها نشروا الرعب في ربوع المخيم، وتركوا ذكرى سوداء مأساوية وألماً لا يمحوه مرور الأيام في نفوس من نجوا من أبناء المخيمين.
ومع مرور الزمن، تحوّلت منطقة صبرا وشارعها الرئيسي، إثر خروج القوات الإسرائيلية من بيروت، إلى سوق للخضار، يشكل الجاذب الأول للمتسوقين، بسبب تدنّي أسعار المبيع فيها عنها في كل المناطق الأخرى، كما افتتحت فيه محلات عديدة لبيع مختلف اللحوم للأبقار والغنم والماعز والدجاج، وأصبحت صبرا تشتهر بسوقها الذي يرتاده أبناء الطبقات الفقيرة من مختلف الأحياء القريبة والبعيدة. وعلى الرغم من أنه توجد في شارع صبرا محلاتٌ يديرها
ولافت أن شارع صبرا، بساحته الرئيسية، تحول مع مرور السنين، في تركيبته التجارية، من مركز للبنانيين والفلسطينيين إلى موقع للعمال الأجانب متعددي الجنسيات، وأكثريتهم من القادمين من بنغلادش وسريلانكا والسودان، وبعضهم قادم من سورية ومصر وغيرهما. ويعزو كثيرون السبب في جذب هذه المنطقة هذه اليد العاملة إلى تدنّي إيجارات المساكن فيها، بسبب عشوائية هذه المنطقة، وانتشار الأبنية السكنية المتواضعة التي بنيت فيها من دون تراخيص،
وفيما كانت صبرا في السابق من مواقع المقاومة الفلسطينية، أصبحت، مع مرور الزمن، من مواقع حزام البؤس الذي يتراكض التعساء للتجمع فيه، ويشكلون خزاناً بشرياً من خزانات اليد العاملة الرخيصة. وقد باتت هذه الفئات من الجنسيات المختلفة تستفيد من حالة سوق صبرا الرخيص، بحيث بات هؤلاء يتمركزون ببضائعهم يوم الأحد في منتصف السوق التجاري، حيث يبيعون بعض المواد والخضار، ومنها مأكولات خضرية خاصة بهم، وغير مألوفة لدى اللبنانيين والفلسطينيين. وأكثر من ذلك، بادر بعضهم إلى استئجار بعض المحلات في سوق صبرا الرئيسي، بحيث أصبحت بنية هذا السوق متنوعة الهويات، ما يمكن أن يطلق عليه "بنية كوزومبولتيانية". وهي مؤشر ليس على النشاط الفعال للعاملين الأجانب، كالبنغلادشيين والسريلانكيين وغيرهم وحسب، وإنما هي تعبير عن استعداد هذه الفئة لقبول الحد الأدنى من المداخيل النقدية التي لا يشعر اللبنانيون والفلسطينيون المقيمون في لبنان أنها باتت تناسب حالة الوضع الاقتصادي المزري الذي يعيشونه، والتي لا تتناسب وتنسجم مع المداخيل التي يحتاجها المواطنون اللبنانيون واللاجئون الفلسطينيون المقيمون في لبنان، لتوفير المداخيل للحياة المعيشية المرتفعة التكلفة. وفي المقابل، إذا ما تمكن الأجانب من تحصيل مبالغ متواضعة، فإنها على ما يبدو كافية لتغطية النفقات المعيشية لأهاليهم وأسرهم في البلدان التي وفدوا منها، لأن تكلفة المواد المعيشية وإيجارات السكن، وغيرها من الحاجات في بلدانهم، هي أكثر رخصاً مما يواجهه المقيمون في لبنان، أكانوا مواطنين لبنانيين أم لاجئين من فلسطين.
محمود العلي
باحث فلسطيني، دكتوراه في علم الاجتماع. عمل استاذاً مساعداً في معهد العلوم الاجتماعية - الجامعة اللبنانية، وفي عدّة وظائف في "الأونروا"، باحث ومنسق مركز حقوق اللاجئين – عائدون.
محمود العلي
مقالات أخرى
01 مايو 2019
01 فبراير 2019
16 يوليو 2018