صبحية تعتاش من دكان صغير

24 يناير 2019
في الدكان (العربي الجديد)
+ الخط -


ترتدي صبحية زيدان، ذات الجسد النحيل، ثياباً تقليديّة. تضع على رأسها منديلاً تربطه عند رقبتها. هي امرأة متديّنة تحرص على الالتزام بالتعاليم الدينية التي تربّت عليها. تقف في دكّان صغير يقع في إحدى زوايا الشارع العام في منطقة جبل الحليب المحاذية لمخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا (جنوب لبنان). هذا المكان لا يعجّ بالمارة وبالتالي الزبائن. لذلك، تكتفي بزبائنها التي نمت بينها وبينهم علاقة وثيقة. ليس في الدكان أنواع مختلفة من الحبوب والألبان والأجبان والسكاكر وغيرها. لكنه على بساطته، يستطيع أن يعيل الحاجة صبحية المولودة في منطقة التعمير في مدينة صيدا، ويوفر لها ما تحتاجه لتأمين حاجاتها الضرورية كالطعام.

صبحية صارت في الستين من عمرها، وهي من بلدة الطيرة قضاء حيفا في فلسطين. لم تتعلّم لأنها كانت تكره العلم. تقول: "لم أكن ذكية، ووصلت إلى الصف الثاني الأساسي، وتركت التعليم". كرهها للمدرسة جعلها تهرب منها بشكل دائم. وفي وقت لاحق، فضلت تركها والبقاء في البيت لمساعدة والدتها في الأعمال المنزلية.

ظلّت صبحية تعمل في البيت وتهتم بوالدتها خصوصاً بعدما تزوج أشقاؤها. بقيتا وحيدتين، ولم تعد تفكر بالزواج بهدف الاعتناء بها. كما اهتمت بابنة شقيقها.

قبل نحو عشر سنوات، قررت العمل، خصوصاً بعد وفاة شقيقيها اللذين كانا يساعدانها. أما شقيقها البكر، فلم يكن قادراً على مساعدتها بسبب توقفه عن العمل، وقد كبر في السن. لم تكن صبحية تدّخر المال حتى تفتتح دكاناً. إلا أنها بدأت تبيع الترمس والفول، إضافة إلى الميرمية والقصعين والزعتر. ففي الموسم الذي تكثر فيه هذه النباتات، تتوجه نحو الجبل، وتقطف ما تستطيع، وتعرضها للبيع. ومع الوقت، صارت تبيع أشياء أخرى.



منزلها الذي تقطن فيه مع ابنة أخيها والدكان ملك لامرأة تملك عقاراً في المنطقة. وكانت عائلة صبحية قد استأجرت من المرأة العقار بسعر زهيد. ومع الوقت، باتت المرأة ترفض أن تأخذ منها بدل إيجار. تقول صبحية: "لم يعد لديّ معيل بعد وفاة شقيقيّ، واضطررت إلى البحث عن أية وسيلة أستطيع من خلالها إعالة نفسي. لم يكن أمامي سوى البدء في بيع بعض الأشياء الصغيرة. فمن يرغب بالستر، يفعل أي شيء. كذلك، لما يكن أمامي أية خيارات".

قبل أن تقلّص وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) خدماتها، كانت توفّر مواد غذائية لكثيرين، تحت مسمى الشؤون، أي للمعوزين. لكنّ بعدما قلصت خدماتها وقطعت المواد الغذائية التي كانت تقدمها، من زيت وحليب وأرز وسكر وعدس وغيرها، وصارت تكتفي بدفع مبلغ قدره خمسة وأربعون ألف ليرة لبنانية (نحو ثلاثين دولاراً) كلّ ثلاثة أشهر، باتت الحياة أكثر صعوبة. وتشير إلى أن هذا المبلغ لا يكفي لسد احتياجات المرء. لكن على الرغم من ذلك، يبقى أفضل من لا شيء.

صبحية اليوم في الستين من عمرها، وتعيش في المكان الذي انتقلت إليه مع أهلها بعد ولادتها بعشر سنوات. تنتظر والكثير من الفلسطينيين الذين يعيشون في المخيمات العودة إلى فلسطين. لكن على ما يبدو، صار الحلم صعب المنال بعد مرور كل هذه السنوات. تضيف: "أقضي معظم وقتي في دكاني المتواضع الصغير، وربحي في اليوم لا يتجاوز دولارين. على الرغم من ذلك، حالتي مقبولة، ويكفي أنني لست في حاجة إلى أحد، ولا أمد يدي للآخرين".



تتابع صبحية: "أمام دكاني شارع طويل. وعلى جانبه حافة تظللها بعض الشجيرات الصغيرة. عند غروب الشمس، أجلس في ظلها وأرى الناس وأتسلى قليلاً بمرآهم". وعلى الرغم من كل الصعوبات التي تعيشها صبحية، إلا أنها سعيدة وراضية بكل ما هي عليه. عيناها اللتان صارتا غائرتين بسبب تعب العمر، ما زالتا قادرتين على الضحك. ويحبّها الناس بسبب بساطتها.

لا تعرف صبحية ماذا ينتظرها في المستقبل، لكنّها ستسعى جاهدة لأن تكون قادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية، حتى لا تضطر إلى طلب مساعدة الآخرين، وهو ما تخشاه في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد يوماً بعد يوم. وإذا ما تحسّنت ظروفها، فقد توسّع العمل في الدكان وتبيع منتجات إضافية، علّ ذلك يدرّ عليها دخلاً أفضل.
المساهمون