يتزايد في السنوات الأخيرة اهتمام الغاليريهات بتنظيم معارض لتشكيليين تتّخذ معظم أعمالهم من الحرف العربي موضوعاً لها. تجارب متفاوتة، تتراوح بين التقليدية، وتلك التي تسعى إلى التجديد في فن الحروفيات.
حتى في المعارض الجماعية، التي تتضمّن في أعمالها لوحات تنتمي إلى توجّهات فنية مختلفة، نجد أنّ هناك واحداً أو اثنين من المشاركين، يختصّون في الحروفيات، مثل الفنان العراقي صباح الأربيلي، الذي شارك في معرض "مجموعة صيف" الذي اختتم قبل أيام في غاليري "آرت سبيس حمرا" البيروتية، ويتواصل معرضه "99 اسماً"، في "أيام غاليري" في دبي، حتى العاشر من أيلول/ سبتمبر المقبل.
في أعمال الأربيلي الجديدة، قد يلتبس الأمر على الناظر إليها، إلى درجة أنّه قد لا يعرف أنّ ما أمامه هو عمل حروفي؛ وذلك بسبب نزوع الفنان الواضح نحو التجريد في أسلوب "تخطيطه" للحرف. أعمال تختلف عن سابقاتها؛ إذ كانت لوحة الأربيلي، وإن لم تتضمّن نصّاً واضحاً، إلّا أن أحرفها مُقيّدة بعض الشيء بقواعد الخط.
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يوضّح الأربيلي أنّه يوجد دائماً أمام الحرف العربي آفاق بإمكانه أن يتطوّر من خلالها؛ "فالفن الحديث بمختلف توجّهاته، والحروفيات، يسيران معاً بالتوازي، وهذا ما آخذه بعين الاعتبار".
يضيف: "أنهل من الثقافة الإسلامية. كما أن دراستي للفن في أوروبا، ساهمت في استلهامي من الفن الحديث، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر". ويستخلص: "كل هذه العوامل، تساعدني في الوصول إلى رؤيتي الخاصة، وترجمة أفكاري الداخلية".
كما يتضّح من اسم المعرض، اختار الفنان العراقي المُقيم في الدوحة أن يعمل على أسماء الله الـ 99. أسماءٌ اعتدنا أن نراها معلّقة دائماً على جدران المنازل، أو في الأماكن العامة. وعَمِل فنانون كثيرون على اللجوء إليها، لكن غالباً ضمن صورة تقليدية، تكتفي بتخطيط الاسم بطريقة أنيقة.
"ذو الجلال والإكرام"، 60 × 60، 2015 |
إلّا أن الأربيلي، قدّم هذه الأسماء بطريقة لم نعهدها كثيراً، مرتكزاً على التجريد، متخلّصاً، في كثير من اللوحات، من الرسم المألوف للخطوط بمختلف أنواعها، وكأنّه يحاول أن يبتكر خطوطه الخاصّة.
لماذا اختار أسماء الله تحديداً كثيمةٍ لأعماله؟ سألناه، يجيب: "إن كان الاسم منفرداً، أو ضمن مجموعة، فإن هذه الأسماء عموماً تشكّل، بالنسبة لي، الفهم الكامل لثقافتنا الإسلامية. لطالما قرأت عنها، وعن رمزيتها، وفي كل مرة كنت أتساءل: كيف أستطيع أن أدفع الحدود أكثر وأكثر عنها، لأخلقها بطريقة جديدة".
ويوضّح: "أحاول من خلال رسمها، أن أرسلَ المعنى إلى من يراها، حيث تتداخل الألوان على خلفية ذات لون واحد. إنها رحلة شخصية، تنقلني إلى فهم أعمق لهذه الأسماء".
عموماً، وإن تنوّعت الأساليب الفنية التي ينطلق منها كثير من الحروفيين، إلّا أنّ معظمهم ما يزال ينهل من الموروث الإسلامي، ألا يمكن تطوير هذا الفن خارج هذا الموروث؟ يقول الأربيلي: "في رأيي، ثمّة تنوّع كبير، لكن الأمر يتعلّق باللمسة الشخصية للفنان، ومحاولاته في اقتراح شيء جديد. أسعى إلى شخصنة أسلوبي، ليكون مرتبطاً بي وبرؤيتي الخاصة للأمور. هكذا، يمكن للجمهور أن يجد أجوبته عبر الفنان وأعماله، أن يتفاعل مع كل رسّام على حدة".
في هذا السياق، يحاول الأربيلي قدر الإمكان أن يحافظ على خصوصية أعماله، حتى وإن بدا بعضها مُباشراً، بعكس ما هو معروض في "99 اسماً". يقول: "أترك العمل مفتوحاً، لا أريد أن يكون له نهاية. ثمّة أعمال تحتاج إلى طبقات أكثر من الألوان وضربات أكثر في الفرشاة مقارنةً بأعمال أخرى". ويتابع: "أمرّ بكثير من المراحل الشعورية أثناء إنتاجي للعمل، وأحاول أن ألتقط اللحظة الملائمة".