صباحان لا ثالث لهما

10 نوفمبر 2017
+ الخط -
كثيرا ما نسمع بالسيدة الأولى، سيدة القصر، سيدة المنزل، لكن هل سمعتم بسيدة راديو الصباح؟
نعم، إنها السيدة فيروز، السكة الواصلة بيننا وبين الفلاح المقدس كل يوم، فما أن يمد الصباح بساطه الأزرق، حتى ترى تهافت الأرواح النعِسة وتدافعها الى استنشاق ما يعبق في الأرجاء من نسائم فيروزية ملحّنة، توقظ فيها خلجات الحنين والحب، فقد بات عرفا لبنانيا وعربيا أنّ السيدة فيروز عبّارتنا إلى الوعي صباحا وإدارة محرّكاتنا للانطلاق بنشاطاتنا الروتينية. لكن، ماذا لو لم تكن السيدة فيروز شرطا لإبرام اتفاقية الصلح بين الصباح وبين بعض الناس؟
لطالما أحببت وسأظل أحب من سكن القمر خلف تلالها. لكنني أميل إلى الفريق الذي يهوى، صباحا، الاستماع الى الأغاني اللبنانية القديمة. لها طابع مثقل بالحنين والذكريات، ولكن بعيارات عاطفية أخف من التي تفعم بها أغاني السيدة فيروز. ففيها محاكاة للأحداث اليومية التي تحصل مع أي شخص، فتراها تأتي محلاّة بألحان لطيفة، وكلمات فيها من الحب والعنفوان ما يكفي للإنطلاق في الروتين اليومي.
تشكل هذه الأغاني، إلى جانب ميراث السيدة فيروز، حالة عاطفية خاصة، لكن الحنين والحب والكم العاطفي الذي تضخه الفيروزيات يأخذني إلى التأمل والتفكير والشرود إلى حد يمكن أن يجعلني بعيدا عن التركيز المطلوب ليوم طويل، وغير متحمّس لترك الصور اللحنية للخروج ومشاهدة الزحام والضجيج في دنيا الوباء السمعي والبصري.
من الطريف أنّ الناس حين يفطنون إلى أنك لا تحب فيروز، من السادسة صباحا حتى الثامنة، بل تهواها من الغسق وحتى تشتد ظلمة الليل، ينعتونك كما باللبناني الدارج بـ "بلا ذوق"، أو يشخصون حالتك على أنها التهاب في الأذن الموسيقية الوسطى. لذا، تتبادر إلى ذهني الأسئلة التالية: من قرر أنّ السيدة فيروز تفتح في الصباح الباكر وتوصد أبوابها عند الثامنة منه؟ من خطف ليلها؟ من عمّم صورة السهر وأذاع عنه بوصفه سارق الصوت الصباحي؟ ألا يحق لمن غنت سكن الليل وصدحت بـ "أه يا سهر الليالي" أن تؤنس من يهوى معاتبة السماء ليلا ومغازلة النجوم؟
صوتها، حقاً إن تمتم يُسكِرنا، لهذا السبب، أحافظ على عادة الإستماع إلى السيدة فيروز ليلا، فهو الوقت الذي يُسمح لي فيه أن أغفو حالما أو أستلقي متأملا.
A316885A-7868-45DD-8FB2-2B2874BA058F
A316885A-7868-45DD-8FB2-2B2874BA058F
محمد رشاد الحلبي
كاتب من لبنان.
محمد رشاد الحلبي