كأنّها حدثت أمس. ما زال عدد كبير من الفلسطينيّين يتحدّثون عن النكبة كما لو أنّها حدثت أمس. ما جرى خلال هذه الفترة حاضر في أذهانهم إلى درجةٍ كبيرة. ورغم مرور كل تلك السنوات، تعلق مشاهد في الذاكرة، ولا يمحى الشعور بالخسارة.
الحاج صالح صيّاح يتحدر من بلدة السميرية في فلسطين، إلّا أنّه لا يعيش فيها. اليوم، يقطن في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا (جنوب لبنان). حين كان في العاشرة من عمره، خرج من فلسطين مع عائلته. يقول: "عرفنا أنه حان وقت الخروج، وأخبرنا ثلاثة رجال بأنهم لا يريدون رؤية أحد في البلدة لأنهم سيهاجمون الصهاينة. خرج بعض الأهالي متوجهين إلى عكا وعمقا، فيما أصر آخرون على البقاء". يضيف: "في الصباح، كانت دبابات الاحتلال الصهيوني تتقدّم باتجاه بلدتنا من منطقة تل الفخار، على مقربة من عكا، وكان عددها 63. في المقابل، لم نكن نملك سلاحاً لمواجهة الدبابات. لذلك، لم نستطع القتال، وخرجنا من فلسطين. وكان يفترض أن تحارب الجيوش العربية معنا، لكن لم يحدث ذلك" ويتابع صياح: "حين خرجنا من السميرية، توجهنا إلى بلدة عمقا، ومنها إلى يركا. هناك، ثار الأهالي ضد الفارين، فتوجهنا إلى لبنان".
بداية، قصد وعائلته مخيم البص جنوباً، وسكنوا وغيرهم من الأهالي في بيوت للأرمن إذ كانت مهجورة. "بقينا في المخيم نحو ثلاثة أشهر، لننتقل بعدها إلى مخيم عين الحلوة، حيث ما زلنا نعيش حتى اللحظة. الحياة في المخيم الجديد لم تكن سهلة، إذ اضطر الناس إلى العيش في شوادر نحو سنتين، متحملين الظروف الصعبة. أيضاً، تحمّلوا حرّ الصيف وبرد الشتاء وأمطاره". يقول: "شعرنا بالذل، في وقت كنا نعيش فيه بكرامة في بلادنا". يتابع: "مرت سنوات وبدأ أهلنا يبنون بيوتاً من ألواح الزينكو ليعيشوا فيها، ويتخلصوا من المعاناة الناتجة عن العيش في شوادر. وبعدما كبرت، كنت أول من بنى بيتاً من حجر في المخيم".
وحول كيفية حصول الفلسطينيين على الخدمات العينية، يقول: "كان الصليب الأحمر في المخيم يتولى تقديم المساعدات للناس، من خبز ومواد غذائية وغيرها. بعدها، انتقلت هذه المسؤولية إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بعد إحصائها اللاجئين الفلسطينيين". أما عن الحياة في الشادر، فيوضح: "كنّا نحترق بسبب حرارة الصيف. كذلك، لم نستطيع النوم في الشادر. في وقت لاحق، بدأ الناس يزرعون الأشجار لاتقاء الحر الشديد. كنّا نعيش على التراب داخل الخيمة"، مشيراً إلى أنه عندما لجأ الفلسطينيون إلى مخيم عين الحلوة، لم يكن عدد العائلات كبيراً فيه.
حين خرجت عائلة صالح من فلسطين، اصطحبت معها بعض الأبقار، واضطرت إلى بيعها حتى تتمكن من المجيء إلى مخيم عين الحلوة. ويقول صالح إن الدولة اللبنانية هي التي نقلتهم إلى مخيم عين الحلوة، ليعيشوا فيه. يضيف أنه صار وأشقاؤه يعملون حتى يتمكنوا من العيش، خصوصاً أن "والدي كان كبيراً في السن في ذلك الوقت، ولم يستطيع العمل".
ويذكر أن بناء بيوت من ألواح الزينكو استغرق وقتاً. فبعد سنوات من استقرارهم في مخيم عين الحلوة، وزّعت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، ألواحاً من "الزينكو" على العائلات. حينها، بدأ الناس يبنون بيوتاً مستخدمين هذه الألواح والحجارة. يضيف: "عشنا في مهانة كبيرة. ما من مقارنة بين من يعيش في أرضه وبين اللاجئين". وبعد مرور كل هذه السنوات على النكبة، يرى الحاج صالح أن الاهتمام بالقضية الفلسطينية يتراجع.
تجدر الإشارة إلى أن صالح ما زال يحتفظ بأوراقه الثبوتية التي أخرجها معه، كما يحتفظ بسندات تثبت ملكيته لمجموعة من الأراضي في بلدته. لا يبدو متفائلاً بالعودة إلى بلاده. في الوقت نفسه، لا يستطيع نسيان اللحظات الجميلة رغم صغر سنه في ذلك الوقت. ويكفي ما سمعه من عائلته عن الحياة في فلسطين قبل حلول النكبة.