كرّس التشكيلي الفلسطيني الراحل صالح المالحي (1943 – 2013) مشواره الفني الذي ابتدأه في منتصف ستينيات القرن الماضي، برصد علاقة الفلسطينيين بأرضهم عبر تصوير مواسم الزراعة والحصاد والطقوش الشعبية، وكيف شكلت المقاومة تعبيراً عن هذا المخزون الحضاري.
ولد الفنان في مدينة القدس حيث أمضى فيها سنوات شبابه الأولى إلى أن التحق بـ"معهد ليوناردو دافنشي" في القاهرة عام 1964، وأقام معرضه الأول بعد تخرّجه مباشرة عام 1968. كما شارك في تلك الفترة في تظاهرات دولية مثل "بينالي الإسكندرية"، و"معرض ميلانو الدولي" الذي حصل خلاله على الميدالية الذهبية، و"معرض الكويت الثالث للفنانين التشكيليين العرب".
يخصّص "مركز جلعد الثقافي" في منطقة أم الدنانير قرب عمّان، معرضاً استعادياً في ذكرى رحيله الخامسة يُفتتح عند السادسة من مساء اليوم الأحد ويتواصل لمدة شهر ضمن برنامج المركز الذي يهدف إلى "المحافظة على تراث الفنانين الرواد وتعريف الأجيال بهم، حيث أصدر كتاباً عن الفنان ومسيرته وتجربته التشكيلية مشتملاً على جميع أعماله"، بحسب بيان المنظّمين.
تتضمّن اللوحات المعروضة مفردات أساسية لم تفارق كلّ ما قدّمه المالحي من جداريات وملصقات سياسية، حيث تتكرّر دائماً الشجرة والبيت اللذين يلتفّ حولهما عادة عدّة أشخاص يقومون بأشغالهم اليومية التي تتربط بهما، باعتبارهما مركز حياتهما ومنطلق بدئها وخاتمتها.
في أعمال أخرى، يجري التركيز على حضور رموز تتصل بسعي الفلسطيني إلى التحرّر فتظهر مواكب الشهداء ومقاومون يحملون سلاحاً مع ميل إلى استعراض بانوراما من المشاهد في العمل نفسه وهي بفعل تأثره بالجداريات الضخمة التي أنجزها خلال فترة الانتفاضة الأولى وتصوّر مجاميع عديدة يقوم كلّ واحد منها بعمل مختلف عن الآخر.
يلجأ الفنان إلى إبراز التفاصيل في لوحاته مثل الأزياء والإكسسورات الني تتزين بها المراة وأدوات الزراعة، بوصفها اختزالاً لديمومة الزمن والفعل الإنساني، وكذلك إلى البيوت القديمة وخطوط تعاريج الشوارع، وأقواس المباني العتيقة وبواباتها، ووصولاً إلى العلم والكوفية والخريطة وغيرها من الإشارات التي تعبّر عن الهوية الفلسطينية ومواصلة الكفاح من أجل نيل الحرية.
لا فواصل بين الأزمنة في لوحة المالحي تجسيداً لرؤيته باستمرار الفلسطيني في المكان وتجذّره فيه، مع استخدامه الأزرق في أكثر من واحدة تعبيراً عن الحزن الذي يلف أهل المكان، في معظم مراحل تجربته التي تنوّع بين الواقعية والتعبيرية والتكعيبية.