أربعة عشر عاماً على رحيل الشاعر العراقي عبد الأمير جرص (1965-2003) تحلّ اليوم، وتتزامن مع صدور أعماله الشعرية عن "دار الفيل" في القدس المحتلة، وأيضاً مع إطلاق اسمه على دورة هذا العام من مهرجان الشعراء الشباب "جواهريون" الشهر الماضي (اختتم في بغداد، يوم 15 نيسان/ أبريل الماضي بمشاركة ثمانين شاعراً وناقداً) وهو الملتقى الذي كشف عن التأثير الشعري الذي ما زالت تمارسه قصيدة جرص في الشعر العراقي الجديد.
الشعراء الشباب الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد" في أيام المهرجان، ومعظمهم بدأ الكتابة بعد رحيل صاحب "أحزان وطنية"، كشفوا عن عمق تأثر وافتتان بتجربته كما لم يتأثروا بأي من شعراء جيله.
الشاعر يماني عبد الستار يرى أن عبد الأمير جرص "شاعر استثنائي له خصوصية وأسلوب مميز، وهو صاحب تجربة غير منتهية الصلاحية ولا زال إلى الآن نهراً يصيبنا بالدهشة والخشوع". وهو "شاعر خالد" بتعبير الشاعر حسن فوزي القرة غولي.
في حين يصف الشاعر علي رياض لـ"العربي الجديد" تأثيره فيه كالآتي: "أذكر جيداً حين قرأت عبد الأمير جرص للمرة الأولى، كان مدهشاً إلى حد يرفعني عن الأرض".
أما الشاعرة نورس الجابري، المشاركة في المهرجان، فترى في تجربته "نافذة مهمة لكل المبدعين المستبعدين".
اللافت أن هذا الجيل الشاب قد بدأ في الكتابة الشعرية بعد رحيل عبد الأمير جرص واستطاع الوصول إلى تجربته من دون أي مؤسسة، إذ بقي اسم عبد الأمير جرص خارج المؤسسة سواء في حياته أو بعد رحيله.
منذ صدور مجموعته "قصائد ضد الريح" عام 3991، اعتبرت إضافة جديدة إلى مشهد قصيدة النثر العربية وخصوصاً في مواجهة التلفيق باسم الحداثة، وأنها قصيدة تشبه عصرنا في تكثيفها وتقطيعها، وهو ما تأكد في مجموعته التي تلتها "أَحزان وطنية" عام 7991.
استطاع جرص، على سبيل المثال، أن يأتي بقصيدة في جملة قصيرة: "كلامكِ الحلو، سَوَّس حياتي" أو "كثيراً ما سبقني الذبابُ / إليكِ/ أَيتها الأيام الحلوة"، أو قصيدة سياسية ترد على مقولة صدام حسين "كل عراقي بعثي وإن لم ينتم"؛ حين كتب جرص: "واحدٌ أَنا/ وإِن لم أَنتَمِ".
مشهدية الحرب العراقية الإيرانية و"الملاحم" التي سطرها شعراء صدام في وقتها يردّ عليها عبد الأمير جرص بواحدة من ومضاته: "أَعدادٌ لا تحصى من القتلى /احتشدوا أَمس في الثكنة/ وعندما سألهم آمرُ الفوج ــ ماذا تريدون؟ أَجابوا: ــ نريد أَن نموت". القصيدة اليومية عند جرص هي قصيدة سياسية بامتياز: "قالت المرأة للرجل: سيوقفونك. ــ ولكنّي مثبّت بالبطاقة.. وعلى وجهي ختم الدولة".
وكأنما شعره نبوءة لحياته: "هكذا يقسم وقته إلى قرون/ ليموت في العقد الثالث/ حيث العواطف عرضة للتفتيش/ والأحلام فراشات مغلّفة/ أعني مغفّلة.. يسهل اصطيادها".