ومرّ الاحتفال بمرور عقد على تنصيب الطيب شيخاً للأزهر وسط تجاهل شبه تام، وكشفت مصادر إعلامية واستخباراتية عدة، لـ"العربي الجديد"، أن تعليمات صدرت لصحيفة "اليوم السابع" وتوابعها، بإهمال أي شيء يتعلق بالأزهر، سواء كان إيجابياً أو سلبياً. ونبّه رئيس تحرير إحدى الصحف مديري التحرير ومسؤولي النشر بعدم الاقتراب من أخبار الأزهر أو الطيب، مؤكداً أنه في حال حصول أي تغيير في الموقف سيفصح عن ذلك بشكل واضح وصريح. والمعروف في وسائل الإعلام المصرية أن التعليمات الخاصة بالنشر تصل من قبل المخابرات العامة. ولكن ما سر تعمّد تجاهل أخبار شيخ الأزهر؟
وقال رئيس تحرير جريدة "صوت الأزهر" الناطقة بلسان مشيخة الأزهر، أحمد الصاوي، إن قرار تعطيل صلاة الجمعة والجماعات في المساجد، هو قرار الدولة والأجهزة المعنية وفق تقديراتها من واقع إدارتها لجهود التصدي لفيروس كورونا. وأضاف، في تصريحات صحافية، أن "الأزهر من واقع مسؤوليته ودوره ومنهجه، أجاز التعطيل في بيان مفصل صدر عن هيئة كبار العلماء خلال اجتماعها يوم الأحد الماضي برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، أكد فيه جواز التعطيل ودعم ذلك بالأسانيد الشرعية الكافية، وعلى رأسها حرص الشرع الإسلامي على حماية الإنسان وحياته، باعتبارها المقصد الأهم من مقاصد الشريعة الإسلامية".
ولفت الصاوي إلى أن هيئة كبار العلماء "أكدت حق الدولة في اتخاذ ما تراه من إجراءات لمحاصرة الفيروس وحماية المواطنين من الإصابة به، وأن الأزهر بحكم دوره ومهمته دستورياً وتاريخياً هو جهة مرجعية سندها البيان العلمي والشرعي وليس جهة تنفيذ أو إدارة، والدولة فقط باعتبارها من تملك المعلومات والتقديرات الشاملة ولديها الصورة الأكثر اكتمالاً هي من بيدها اتخاذ قرار بشأن صلاة الجمعة. وكانت هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف أصدرت يوم الأحد الماضي ما وصفته بـ"بيان للناس" أكدت فيه جواز إيقاف صلوات الجُمع والجماعات حمايةً للناس من فيروس كورونا؛ في ضوء ما تسفر عنه التقارير الصحية المتتابعة من سرعة انتشار فيروس كورونا وتحوُّله إلى وباء عالمي. وأكدت الهيئة أنه "لما كان من أعظم مقاصد شريعة الإسلام حفظُ النفوس وحمايتها ووقايتها من كل الأخطار والأضرار، فإنَّ هيئة كبار العلماء، انطلاقاً من مسؤوليتها الشرعية، تحيط المسؤولين في كافة الأرجاء علماً بأنه يجوز شرعاً إيقاف الجُمَعِ والجماعات في البلاد؛ خوفاً من تفشِّي الفيروس وانتشاره والفتك بالبلاد والعباد".
أما الدولة من جهتها فتجاهلت فتوى هيئة كبار العلماء التابعة للأزهر وأقامت صلاة الجمعة، أول من أمس، في المساجد، بشكل طبيعي. وقال وزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، في تصريحات صحافية، إن "حسن التوكل على الله يفرض علينا الأخذ بالأسباب وليس تعطيلها أو إهمالها، واتباع تعليمات مؤسسات الدولة وطاعة ولي الأمر وأهل الاختصاص، كل فيما يأمر به". وبث التلفزيون المصري صلاة الجمعة من مسجد التلفزيون بمبنى ماسبيرو، وألقى وزير الأوقاف خطبة موضوعها "الأسباب الظاهرة والباطنة لرفع البلاء ووجوب طاعة ولي الأمر". وطالب مختار جمعة المصريين بضرورة الاستماع للتعليمات والنصائح التي يوجهها المسؤولون في ظل تصاعد أزمة فيروس كورونا. وقال وزير الأوقاف في خطبة الجمعة "إنه من الضروري تحمّل البلاء والمصائب التي يمر بها الإنسان، مع ضرورة العمل على تنفيذ ما يطلبه ولي الأمر". وشهدت الصلاة في المساجد بمصر حضور الآلاف من قبل المصلين في القاهرة والمحافظات.
وعقب ذلك، قرر وزير الأوقاف إيقاف صلاة الجماعة والجمعة، مؤقتاً، في كل المساجد على مستوى الجمهورية. وأكد الوزير، في بيان أمس السبت بعد قرار الكنيسة، أن القرار يأتي حرصاً على سلامة المصلين ولمدة أسبوعين لحين وقف انتشار الوباء، وانطلاقاً من القاعدة الشرعية أن "صحة الأبدان مقدمة على صحة العبادات". وبعد صدور قرار الكنيسة القبطية، أعلن شيخ الأزهر أيضاً إيقاف صلاة الجمعة والجماعة مؤقتاً في الجامع الأزهر، ولمدة أسبوعين، لمواجهة انتشار وباء فيروس كورونا. وذكر بيان صادر عن الأزهر أمس أن "فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب قرر إيقاف صلاة الجماعة والجمعة مؤقتاً في الجامع الأزهر، حرصاً على سلامة المصلين ولمدة أسبوعين، لحين وقف انتشار الوباء وانطلاقاً من القاعدة الشرعية أن صحة الأبدان مقدمة على صحة العبادات".
وهذه ليست الأزمة الأولى التي تنشأ بين شيخ الأزهر من جهة والسلطات المصرية من جهة أخرى؛ إذ بدأ الصدام بينه وبين النظام بعدما رفض تكفير تنظيم "داعش" وأتباعه في مصر، مروراً باعتراضه على مشروع السيسي اشتراط توثيق الطلاق لإيقاعه، انتهاءً بمحاولات تعديل قانون الأزهر لتحويله من مؤسسة إسلامية إلى هيئة اجتماعية تعليمية يشارك فيها ممثلون لمجالس قومية وسلطات مختلفة، وهو ما دفع دوائر مختلفة إلى الدفاع عن الأزهر ودرجة استقلاله التي تحققت بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. وقاوم الطيب خطة السيسي وأجهزته الأمنية للسيطرة على الأزهر بمساعدة رجاله المخلصين، وعلى رأسهم وكيل الأزهر السابق عباس شومان، والمستشار القانوني للمشيخة السابق محمد عبد السلام، لكن مقاومته لم تستمر طويلاً، إذ نجحت الأجهزة الأمنية في إقناع السيسي بعدم التجديد لشومان في منصبه، كما تم الضغط على الطيب لعدم التجديد لعبد السلام، وبذلك فقد الشيخ قطبين مهمين كان يعتمد عليهما في المشيخة.
من ناحية أخرى، قال المصدر لـ"العربي الجديد" إن شيخ الأزهر يتعرض إلى أزمة أخرى مصدرها غضب المملكة العربية السعودية من مشاركته في المؤتمر الدولي الذي عُقد بمدينة سمرقند في أوزبكستان بين 3 و5 مارس الحالي، الذي حمل عنوان "الإمام أبو منصور الماتريدي والتعاليم الماتريدية: التاريخ والحاضر"، حيث ألقى شيخ الأزهر الكلمة الرئيسية للمؤتمر. وناقش المؤتمر تحليل سيرة أبو منصور الماتريدي ومؤلفاته، والآراء والأفكار المرتبطة بتاريخ تطور علم الكلام في عهده، وبحث تطور التعاليم الماتريدية بعد وفاته وسيرة أتباعه وتراثهم العلمي، وأهمية الموضوعات في تراث الإمام الماتريدي وأتباعه في حل القضايا الملحة في العصر الحالي. والمعروف أن الطيب من أبرز أتباع الفكر الماتريدي الأشعري.
وسبق للطيب أن زار أوزبكستان في أكتوبر/تشرين الأول 2018 وأعلن وقتها عزْم الأزهر على تنظيم مؤتمر عالمي عن الإمام أبي منصور الماتريدي، بمشاركة المؤسسات الإسلامية وعلماء أوزبكستان، مسقط رأس ذلك العالم، وذلك "انطلاقاً من حرص الأزهر على تعريف الأمة بجهود وتراث هؤلاء الأئمة الكبار، لما يمثله ذلك من توضيح عملي لحقيقة تعاليم الإسلام السمحة" حسبما قال الطيب آنذاك. وقال المصدر لـ"العربي الجديد" إن غضب السعودية من مشاركة شيخ الأزهر في مؤتمر "الماتريدية" في أوزبكستان جعل كثيراً من الإعلاميين المصريين الموالين للسعودية والذين يحصلون على أموال منها، يتجاهلون أخبار الشيخ الطيب، ما أسهم في تشديد الحصار عليه. وأبو منصور الماتريدي المولود في سمرقند، هو أحد أعلام الفكر الإسلامي الكبار، الذين بذلوا جهداً كبيراً في الدفاع عن العقيدة الإسلامية، جامعاً في ذلك ما بين الأدلة النقلية والعقلية، وهو يحمل ألقاباً كثيرة مثل "إمام الهدى" و"إمام المتكلمين". لكن أتباع الفكر الوهابي والسلفيين الموجودين في مصر لا يعتبرونه من "أهل السنة والجماعة".