شيءٌ ما عن خايمي صغبيني

26 مايو 2015
+ الخط -

ستّة عشرة سنةً مرَّت على رحيل صغبيني، أو كما يُلفظ بالإسبانية (سابينس)، وما زالت دواوينه من الأكثر قراءةً في أوساط الشباب في المكسيك. الشاعر الذي وُلد في 25 مارس/ آذار عام 1926، في توكستلا جوتيرِّس بولاية شيابَّاس، هو أحد أبناء خوليو صغبيني، الذي وصلَ في شبابه من لبنان إلى القارّة الأميركيَّة عام 1914، كقائد في قوّات فينوستيانو كارَّانسا، ووصل إلى رتبة رائد في الجيش المكسيكي، أمَّا أمُّهُ فهي لوس جوتيرِّس، التي كانت تُعتبر من الطبقة الأرستقراطيَّة في تشيابَّاس.

عرف صغبيني الشعر صغيراً بتأثيرٍ من أمِّه التي حفَّظته قصائد كلاسيكيّة وعلَّمته كيف يُلقيها، كما كان يقرأ الروايات التي كان يشتريها شقيقه خوان ويحضرها إلى البيت، كروايات فيكتور هوغو وليون تولستوي وأليكساندر دوماس وغيرهم، وحين كان في الـ 17 عاماً من عمره، توقّع له النقَّاد "مستقبلاً ذا شأن في الأدب التشيابَاني".

انتقل إلى العاصمة المكسيكيَّة عام 1945، لدراسة الطب، وبعد ثلاث سنوات قرّر التوقٌّف عن دراسته، إلَّا أنَّ سنوات إقامته المنعزلة في مكسيكو سيتي، أتاحت له أن يقرأ الإنجيل بتمعّن، رغم معرفته له طفلاً، هكذا حتى اكتشف نيتشه وبايِّيخو وبودلير ونيرودا وعمر الخيَّام وطاغور. بعد إقامته في تشيابَّاس لفترةٍ قصيرة، عاد عام 1949 إلى العاصمة لدراسة الأدب واللغة القشتاليّة في كلِّية الآداب والفلسفة في جامعة "ماسكارونس".

استغلَّ صغبيني وحدته، لكن هذه المرَّة من أجل كتابة ديوانه الأول "أورال"، الذي صدر عام 1950. وفي العام الذي تلاه أصدر ديوانه الثاني "العلامة". وفي إحدى إجازاته الصيفية التي قضاها في تشيابَّاس، كتب "آدم وحوَّاء"، وهي أوَّل قصيدة طويلة له، غير أنها لم تُنشر إلا بعد أحد عشر عاماً.

عام 1953، تزوَّج من خوسيفا رودريغس، وأنجب منها أربعة أبناء، لكنَّ صغبيني كان معروفاً بعلاقاته النسائيَّة المتعدَّدة، وبأبنائه الكثيرين الذين يصل عدد المعروف منهم لإثني عشر ابناً، من أربعة نساء. لم يبتعد الشاعر عن مهنة التجارة التي زاولها المهاجرون العرب في القارَّة الأميركيَّة، فقد عمل في بيع الأقمشة في متجر "إلموديلو"، ثمَّ في متجرٍ لبيع أغذية للحيوانات، كل ذلك من دون أن يتوقف عن كتابة الشعر، الذي حصل عنه على عدد من الجوائز والتكريمات.

وحين مرض والده بالسرطان، كتب إحدى القصائد المؤثِّرة في الأدب الهسباني وهي قصيدة "شيءٌ ما عن الرائد صغبيني"، والتي نشرت في العام 1973. رغم صرامته، عاش صغبيني معظم حياته مبتهجاً. عمل في السياسة رغم عدم مبالاته بها. أنجب الكثير من الأبناء رغم أنَّه كان يهجرهم حين يفترق عن أمهاتهم. كان يستقبل شكاوى الناس في مكتبه في البرلمان، في الوقت الذي يمتعض أحياناً من زيارة أبنائه غير القانونيِّين له في المكتب. كل هذه المفارقات في شخصيّة صغبيني جعلت منه شاعراً متميِّزاً قافزاً عن حالات السوداويّة والكآبة التي يمرُّ بها الكثير من الشعراء.

وفي عام 1989، وخلال رحلةٍ إلى تشيابَّاس، انزلق من درجٍ صغير وكسرت ساقه، ومنذ ذلك الوقت، بدأ مرض السرطان ينتشر في جسده وأجرى 40 عمليَّة جراحيَّة؛ وهكذا قضى العقد الأخير من حياته في البيت وفي حالةٍ نفسيَّةٍ سيِّئة، حتَّى توفي عام 1999.

ليست أهميته الشعرية فقط هي ما يجعلنا نتذكر خايمي صغبيني، وإنما الفجوة التي نلمسها بين نتاج الشعراء والكتّاب من أصول عربية وبين ثقافتنا التي وجهت جلّ جهودها في الترجمة نحو الغرب، وفاتها أن تستعيد أبناءها من غربة اللسان.


قصائد مختارة للشاعر

دلالات
المساهمون