تدفق ملايين الجزائريين إلى الساحات والشوارع وسط العاصمة وفي كبرى المدن والبلدات، لتجديد رفضهم استمرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الحكم بعد نهاية ولايته في 27 إبريل/ نيسان المقبل، والاعتراض على محاولة النظام تمديد عهدته الرئاسية الرابعة، وذلك في خامس جمعة ضمن الحراك الشعبي الذي بدأ في 22 فبراير/ شباط الماضي.
لم تمنع الأمطار التي هطلت اليوم في الجزائر حواراً جديداً بين السلطة والشعب في الشارع، إذ تتخذ السلطة على مدار أيام الأسبوع المواقف والقرارات، ويرد عليها المتظاهرون في الشارع في الجمعة: موقفاً بموقف، ورسالة برسالة، وقراراً بقرار.
ولم تختلف مشاهد الحراك الشعبي في الجمعة الخامسة عن الجمعات الأربع الماضية، لا من حيث الأمكنة والساحات والشوارع والشعارات، ولا من حيث الحجم والتدفق البشري الهائل للمتظاهرين، الذين احتلوا ساحات البريد المركزي وساحة أول مايو وساحة أودان وباب الواد والنفق الجامعي، لكن عنوانين بارزين كانا طاغيين على جمعة 22 مارس/ آذار.
العنوان الأول في تظاهرات اليوم كان رفض المحتجين تدويل الأزمة السياسية في البلد، عبر إشراك الدول الغربية في مسائل الداخل الجزائري، ولجوء السلطة، من دون مبررات واضحة، إلى المبادرة الاستباقية لشرح الأوضاع للعواصم الغربية، عبر الزيارات المكوكية التي قام بها نائب رئيس الحكومة وزير الخارجية رمضان لعمامرة، رفقة وزير الخارجية السابق عبد القادر مساهل، وفُهمت أنها "محاولة للاستقواء بالخارج".
ورفع المتظاهرون في الساحات شعارات تندّد بالتدخل الأجنبي وبتصريحات مسؤولين غربيين وروس بشأن تطورات الوضع في الجزائر، وتحديداً موسكو وباريس، اللتين كانتا الأكثر تعرضاً للانتقاد، وذلك على خلفية تصريحات لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال فيها إن موسكو ترفض أي تدخل أجنبي في الجزائر، وفُهمت من قبل الناشطين والمتظاهرين على أنها "تصريح غير لبق يضع الجزائر ضمن دائرة الدول المحمية من قبل موسكو".
كذلك نال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نصيباً وافراً من الشعارات التي انتقدت تصريحاته، وطالبته بالانشغال أساساً بالسترات الصفراء وحل مشاكله معها.
ورفع المتظاهرون صوراً لوزير الخارجية الجزائري والدبلوماسي السابق الأخضر الإبراهيمي، عليها شطب وشعارات ترفض أي دور سياسي لهما في المرحلة المقبلة، باعتبارهما من رجال المرحلة السابقة، لخّصها شعار "لا يمكن بناء سفينة جديدة بخشب قديم".
أما العنوان الثاني لحراك الجمعة فكان الرد على رسالة بوتفليقة التي نشرها في 18 مارس/ آذار الماضي، والتي تجاهل فيها مطالب الشارع والمتظاهرين بعد إعلانه التمسك بخطته لنقل السلطة التي أعلنها في 11 مارس/ آذار الجاري، والمتضمنة عقد مؤتمر وفاق وطني جامع، وتعديل الدستور، وتنظيم انتخابات رئاسية، يسلم بعدها بوتفليقة العهدة الرئاسية لرئيس منتخب، غير أن الشارع الجزائري فضل توجيه رسالة أكثر وضوحاً للرئيس ومحيطه الذي يدير دفة الحكم في الوقت الحالي، إذ رفع المتظاهرون شعارات "لا وقت إضافي ولا ضربات جزاء"، رفضاً لأي تمديد للعبة السياسية وفقاً لما يريده الرئيس، و"ما تزيدش دقيقة با بوتفليقة"، (لن يكون بإمكانك إضافة دقيقة واحدة بعد نهاية عهدتك).
وجدّد المتظاهرون المطالب بحل الحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني، واستعادة الرمز التاريخي المشترك من المجموعة التي تقوم باستغلاله سياسياً، وجعله رمزاً وطنياً مشتركاً، لكون جبهة التحرير الوطني الإطار التاريخي التي قاد الكفاح المسلح وثورة التحرير، كما رفعت شعارات تطالب بمحاسبة رموز النظام ووقف نهب المال العام، وتحرير الصحافة والقضاء.
وشارك في المسيرات قادة أحزاب سياسية معارضة، بينهم رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، ورئيس جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله، وزعيمة حزب العمال لويزة حنون، ورئيس حزب طلائع الحريات رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، ورئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وقيادات جبهة القوى الاشتراكية، ورئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، وشخصيات مستقلة.
وظلت المسيرات سلمية، ولم تتدخل قوات الشرطة التي تمركزت في التقاطعات الكبرى، خاصة أن الناشطين نجحوا في هذه الجمعة في إقناع المتظاهرين بعدم التوجه إلى قصر الرئاسة في منطقة المرادية أعالي العاصمة الجزائرية، وهي المنطقة التي تحدث فيها في الغالب صدامات بين قوات الشرطة والمتظاهرين.
وشهد أغلب المدن الجزائرية، كسطيف وقسنطينة وعنابة شرقي الجزائر، ووهران ومستغانم ومعسكر غربي البلاد، وورقلة وأدرار وتمنراست جنوبي الجزائر، مظاهرات حاشدة بالشعارات السياسية نفسها، إذ سمح بتحرر وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية المستقلة، عبر تخفيف الضغط والرقابة، ورفع اليد عن الإنترنت من قبل السلطة في نقل واسع لهذه المظاهرات، كما تدفق عدد من الإعلاميين الفرنسيين على الجزائر بعد السماح لهم بالدخول لتغطية الحراك.