على الرغم من قرار رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، أخيراً بفتح عشرات الشوارع في العاصمة بغداد، والسماح للمواطنين بالمرور في المنطقة الخضراء (الحكومية) التي تربط جانبي الكرخ والرصافة خلال ساعات الليل وإغلاقها صباحاً، لم تتنفس بغداد الصعداء بسبب الازدحام.
ويشكو أهالي بغداد من الاختناقات المرورية على مدار الساعة وفي غالبية المناطق، وتحديداً في الكرادة والمنصور والأعظمية وشارع فلسطين والنهضة والبياع. ولا تتحرك الحكومتان المحلية أو المركزية لإيجاد حلٍ لهذه المشكلة، بحسب مسؤولين، إلا أن مراقبين يرون أن كثرة السيارات الإيرانية مع فتح باب الاستيراد مثل السابق دون تخطيط أربك شوارع العاصمة وأثقلها بالعجلات الرخيصة والسيئة.
ولم يتراجع الزحام رغم الحملات الإعلامية التي تتبناها مؤسسات إعلامية محلية، بل إن المسؤولين الذين يظهرون في التلفاز للحديث عن الاختناقات المرورية لا يملكون الحل، وإنما يتبادلون الاتهامات بشأن سوء الإدارة الحكومية والتخطيط الذي انعكس سلباً على حياة المواطنين، وأرهقهم. والواقع المروري الحالي يجعل بغداد من أكثر المدن ازدحاماً في المنطقة، وأكثرها تلوثاً بسبب كثرة السيارات، وغياب التشجير، وانعدام الخطط البيئية المنسجمة مع المعايير الدولية.
ويقول علي الأعظمي، وهو مواطن من بغداد، "واقع المواصلات عبارة عن حالة نفسية خطيرة من الأعصاب المشدودة والتوتر والغضب، لأن صباحاتنا مؤذية، والزخم المروري الذي نعاني منه بات سمة لصيقة بيومياتنا، لأن المشوار الذي من المفترض أن ينقضي بربع ساعة في بغداد يتسبب بخسارة ساعتين من وقتنا".
ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "أزمة الازدحام في بغداد تغلغلت إلى أغلب مفاصل الحركة في العاصمة، لدرجة أن بغداد تبدو مشلولة في أغلب أوقاتها، ناهيك عن المناسبات الشعبية والوطنية التي تتعرض بغداد خلالها لشلل شبه تام".
ويعتبر المواطن أحمد العذاري (34 عاماً) أن "الوضع في شوارع بغداد مجنون وهستيري، وتشعر لوهلة أن الجميع يعاني من أمراض نفسية، فالوضع النفسي مضطرب وعصبي، وكأن الجميع حكم عليه بالموت البطيء".
ويضيف لـ"العربي الجديد"، أن "مديرية المرور العامة عاجزة أمام تجوال أعداد كبيرة جداً من المركبات في شوارع العاصمة، مع العلم أن جهات كثيرة متورطة بأزمة المرور، منها أمانة العاصمة وقيادة العلميات العسكرية، إضافةً إلى الحكومة وتحديداً وزارة التخطيط التي تفتح باب استيراد السيارات الإيرانية على مصراعيه، دون الالتفات إلى إمكانية استيعاب هذه السيارات في شوارع قديمة وقليلة".
ويلفت إلى أن "كثيراً من الموظفين صاروا يستعينون بالتك تك، الذي بات يمثل وسيلة نقل رخيصة وسريعة لأنها لا تحتاج إلى شوارع مفتوحة، ويمكن للسائق أن يستعين بالأزقة الضيقة، بالإضافة إلى أنها لا تخضع للإشارة المرورية خاصة في الشوارع الفرعية، لأن التنقل بالسيارة بات غير مجدٍ".
المسؤول المحلي في العاصمة بغداد عبد الرحمن الزوبعي، يوضح أن "شوارع المدينة تستوعب 600 ألف مركبة فقط، إلا أن المركبات المتواجدة في بغداد فاقت المليوني مركبة، والعدد بازدياد مع وجود شركات تبيع السيارات بالتقسيط المريح، وعدم وجود إدراك حقيقي لحجم الأزمة من قبل وزارة التخطيط"، لافتاً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "الشوارع التي فُتحت بأمر من رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، لم تنعش بغداد بالقدر الذي كان متوقعاً، مع العلم أنها ساعدت لكن دون المستوى الذي يسعى له المواطن".
ويكمل أن "الزخم المروري لم يؤثر على حركة السير فقط، إنما على تراجع الأداء الوظيفي والتأخر بالوصول إلى الدوام، ويبدو على الموظفين في الدوام الحكومي وغيره في القطاع الخاص اللهاث الدائم كأنهم أمام تحدٍ دائم، وهو الوصول إلى الدوام في الوقت المحدد، لكنهم يواجهون عرقلة الازدحامات".
ويقول العقيد في مديرية المرور العامة ببغداد حيدر موسى، لـ"العربي الجديد"، إن "المديرية ليس بيدها حيلة فهي أمام مأزق سوء التخطيط الحكومي، كما أن مديرية المرور جهة خدمية وليست صاحبة قرارات واسعة"، موضحاً أن "إدارة المرور تعمل على رفع مستوى التنسيق بينها وبين أمانة بغداد والبلديات في المحافظات بشأن معالجة السلبيات الموجودة في شبكات الطرق، واقتراح التحويلات التي تسهل حركة النقل، وكذلك تأثيث الطرق بالعلامات المرورية الدولية منها التحليلية والإرشادية والمانعة والإلزامية، والتأكيد على إنجاز المشاريع الخاصة بأمانة بغداد".
ويتابع أن "منتسبي المرور وضباط المديرية هم ضمن المتضررين من الأزمة الحاصلة في العاصمة"، مشيراً إلى أن "الخطوة المقبلة التي تدرسها المديرية حالياً هي رفع كل السيطرات ونقاط التفتيش بالتنسيق مع الحكومة، واستبدالها بسيطرات إلكترونية مرورية للمراقبة، وتأمين الاتصالات بالعاملين في حركة سير المرور ومراقبة الشوارع والطرق، ومعالجة الاختناقات المرورية بشكل آني وفوري".