شهيدا الحب

16 فبراير 2019
+ الخط -
لم يمر العام حتى قضى نحبه على سريرها، امتدت إليه يدها المحمومة، وجدته باردا، فقد دفء الحياة، نادته بصوتها المبحوح الضعيف: علال علال؟ لم يجبها إلا صوت الردهة الطويلة التي انفتح عليها باب الغرفة. صدى كلماته لا تغادر أذنيها: لا معنى للحياة دونك رقية، ولا أنيس لي بعدك حبيبتي، لقد وثق الله حبنا بميثاقه الغليظ ليلة زفافنا، أن نحيا معا ونعيش معا ونمرض معا ونموت معا.
كانت عيون الزوار من القرية لا تكاد تخطئ أنّ رقية لا محالة، تسير نحو لقاء ربها، شاحبة هزيلة، التصق الجلد فيها بالعظم.
أمي الهاشمية التي عاينت كثيرا من مرضى القرية، أكدت لكل من يسألها، أن رقية قاب قوسين من لقاء ربها، علال الوحيد الذي كان مصرا على أنّ رقية ستشفى وتسافر معه إلى نيروبي، لن يتركها هذه المرة، دعواته وتطميناته لا تتوقف وهو يزرع الأمل في هذا الجسد المنهار المتلاشي.
الوفاء الوفاء... كلمات زرعتها نسوة القرية في آذان بعضهن، وهن يتحسرن على حظهن العاثر في أزواجهن الذين ينتظرون بفارغ صبر موتهن لينعموا بزيجات من صغار السن.
علال علال علال... بدأ صوتها يخفت مع كل نداء ليتلاشى، ويسود صمت قاتل.
كان موكبا جنائزيا لم تعرفه القرية، أصر شبابها وشيبها على أن يزفوا العريسين إلى مثواهما الأخير بالزغريد والحناء، وأن يلبس الجميع، صغارا كبارا، نساء رجالا، الجديد والنظيف من الثياب.
امتزج الفرح بالحزن والبسمة بالدمع، وقيل أنهما شهيدا الحب.
5032C49D-3AA5-47E6-849C-053FA1F718CF
5032C49D-3AA5-47E6-849C-053FA1F718CF
المحساني عزيز (المغرب)
المحساني عزيز (المغرب)