ومنذ أواخر الشهر الماضي، يخوض النظام سباقاً مع المعارضة للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من مناطق سيطرة "داعش". وتحاول قوات النظام، منذ بدء الهدنة التقدم من مناطق سيطرتها في ريف حمص إلى مناطق سيطرة "داعش" شرق وجنوب المدينة ضمن محاولاتها الرامية لاستعادة السيطرة على مدينة تدمر ذات الأهمية الاستراتيجية والرمزية في ريف حمص الشرقي.
في غضون ذلك، كانت قوات المعارضة المتواجدة في مدينتي أعزاز ومارع والمناطق المحيطة بهما في ريف حلب الشمالي تحاول التقدم على حساب "داعش" الذي يستولي على المناطق المتاخمة لمناطق المعارضة في ريف حلب الشمالي الشرقي. ففي ريف حلب الشمالي، تمكن تنظيم "داعش"، صباح يوم الخميس الماضي، من استعادة السيطرة على قريتي تل بطال شرقي والأحمدية بعد يوم واحد فقط من تقدم قوات المعارضة، متمثلة بفصائل فيلق الشام ولواء المعتصم وأسود الشرقية والجبهة الشامية وغيرها إلى القريتين، وبعد تمكنها من صد هجمات متعددة للتنظيم إحداها كانت بسيارة مفخخة لاستعادة القريتين، بحسب مصادر قوات المعارضة في المنطقة. إلا أن استمرار هجمات التنظيم أجبر قوات المعارضة على الانسحاب منهما نحو قرية التقلي التي تتواصل في محيطها الاشتباكات بين الطرفين في ظل استمرار دفاع قوات المعارضة عنها. وجاءت هذه التطورات بعد أيام قليلة من تثبيت المعارضة سيطرتها على بلدة دوديان وقرى قره كوبري وتل بابان وقزل مزرعة، وذلك ضمن مساعيها للتمدد على حساب "داعش" في المنطقة التي تقع قرب الحدوج السورية التركية شمال حلب.
ولم تتمكن قوات المعارضة، حتى الآن، من إحراز تقدم كبير في المنطقة بسبب تمسك قوات "داعش" بالدفاع عن مناطق سيطرة التنظيم وبحكم ضعف إمكانيات المعارضة على المستوى العسكري، خصوصاً لجهة انقطاع خطوط إمدادها التي تصل مناطق سيطرة المعارضة في أعزاز وريفها بباقي مناطق سيطرة المعارضة في حلب وريفها وريف إدلب منذ تقدم قوات النظام السوري في ريف حلب الشمالي مطلع الشهر الماضي. وقد تبع هذا التحول تقدم قوات "حماية الشعب" الكردية أيضاً على حساب المعارضة في المنطقة وسيطرتها بالفعل على مدينة تل رفعت وبلدة منغ ومطارها العسكري وبلدة كفرنايا ونحو عشرين قرية أخرى كانت جميعاً تحت سيطرة المعارضة في ريف مدينة أعزاز.
على الجانب الآخر، استأنفت قوات النظام، منذ صباح أمس السبت، هجماتها العنيفة على مناطق سيطرة مسلحي "داعش" في مدينة تدمر بدعم جوي كثيف من الطيران الروسي وطيران النظام السوري، حيث تمكنت من الدخول إلى بعض أحياء المدينة بعد تمكنها من السيطرة على قلعتها الأثرية. وقالت وكالة الأنباء السورية "سانا"، إن "وحدات من الجيش نفذت فجر أمس السبت عمليات مكثفة باتجاه البساتين الجنوبية، حققت خلالها تقدماً كبيراً باتجاه المدينة"، وذلك بعد سيطرة قوات النظام والمجموعات المتحالفة معها، على القلعة الأثرية.
أما مصادر "مركز حمص الإعلامي"، فقد أكدت لـ"العربي الجديد" أن "قوات النظام المدعومة بعناصر روسية وايرانية سيطرت على حي المتقاعدين السكني غرب مدينة تدمر بعد انسحاب عناصر التنظيم منه"، مضيفة أن عناصر "داعش"، انسحبت أيضاً "من حي الجمعية الغربية ومستشفى المدينة، والقوات الروسية والإيرانية تسيطر على المنطقة بشكل كامل، ولا تزال الاشتباكات بشكل خفيف في الأحياء الأخرى بالتزامن مع عشرات الغارات الجوية من الطائرات الروسية".
وتعتبر المعارك التي تدور منذ أيام قليلة بين قوات النظام والمجموعات المتحالفة معها من جهة، وتنظيم "داعش" من جهة أخرى في تدمر، هي الأعنف منذ نحو ثلاثة أسابيع. وتتسارع التطورات الميدانية بشكل غير مسبوق، مقتصرة خلال الأيام الأخيرة على مناطق سيطرة "داعش" بصورة كبيرة. ويدفع هذا الأمر للاعتقاد، بأن التنظيم يعيش أيامه الأخيرة، في المدينة ذات الأهمية التاريخية، التي سيطر مسلحوه عليها في الواحد والعشرين من مايو/أيار الماضي، بعد انسحاب قوات النظام منها. وكان معظم سكان المدينة البالغ عددهم أصلاً نحو مئة ألف نسمة قد غادروها مع اشتداد الاشتباكات في محيطها، وذلك إثر طلب مسلحي "داعش" من السكان مغادرة المدينة لكي لا يعيق وجودهم حركة مقاتليه.
وقد تحدثت مصادر محلية من ناشطي مدينة تدمر لـ"العربي الجديد" عن مشاركة قوات روسية من المشاة لأول مرة في هجمات قوات النظام السوري في تدمر. ونقلت المصادر لـ"العربي الجديد" أن هذه القوات باتت تعرف في أوساط جنود النظام السوري باسم "السبتناز"، في إشارة إلى قوات مشاة البحرية الروسية ذوي التدريب العالي والكفاءة القتالية العالية.
كذلك تشارك في الهجوم على تدمر قوات الفرقة الحادية عشرة التابعة للجيش السوري التي تتمركز بالأصل في محيط حمص وفي منطقة القلمون بريف دمشق بالإضافة إلى قوات مليشيا "النمر" ومليشيات عراقية وحزب الله اللبناني.
وتكتسب مدينة تدمر أهمية استراتيجية لوجود مطار تدمر الملاصق للمدينة، ومطار "التي فور" الذي يبعد عنها مسافة 65 كيلومتراً باتجاه الغرب، إضافة إلى وجود مستودعات استراتيجية عدّة للجيش السوري منتشرة على مساحات واسعة ومحفورة في الجبال في محيط المدينة. يضاف إلى ذلك مرور كافة الخطوط التي تنقل النفط والغاز من المنطقة الشرقية إلى الداخل السوري والساحل بالقرب من مدينة تدمر، بحيث يمكن لمن يسيطر على مدينة تدمر، أن تكون له اليد الطولى في البادية السورية، وأن يتحكم عسكرياً بطرق المواصلات بين دمشق والمنطقة الشرقية، وبين حمص والمنطقة الشرقية، ويمكنه تهديد كافة خطوط الغاز والنفط المتوجهة إلى الداخل السوري.
اقرأ أيضاً السويداء والثورة السورية: "نأي بالنفس" عن محاولات الاستقطاب