شهادات مصابي مجزرة الفض: 7 سنوات من الألم والمعاناة

14 اغسطس 2020
سقط أكثر من 4 ألاف جريح في الفضّ (Getty)
+ الخط -

"لطالما تمنيت أن أكتب نهاية أخرى، أو أعدل في أحداث هذا اليوم. فأنا لا أبارح فراشي منذ سبع سنوات"، بهذه الكلمات يتحدث الشاب المصري معاذ أحمد، الذي لم يكن قد أكمل السابعة عشرة من العمر، حين ترك عمله في سوق التوفيقية في منطقة وسط القاهرة، مهرولاً في اتجاه حي مدينة نصر، مع علمه ببدء قوات الشرطة فض اعتصام رابعة العدوية، صباح 14 أغسطس/ آب 2013. ويقول أحمد بلهجة تملؤها المرارة عن هذا اليوم، لـ"العربي الجديد": "عملي كان يبدأ في الثامنة صباحاً، وفور وصولي علمت بنبأ فض الاعتصام. وأنا لست من المنتمين إلى جماعة الإخوان، وكذلك أسرتي، ولكنني كنت متعاطفاً مع الرئيس الراحل محمد مرسي، وأرى أنه تعرض لظلم شديد خلال عام حكمه، ولذلك سارعت جرياً إلى ميدان رمسيس، لأجد سيارة أجرة تنقلني إلى نادي السكة الحديد، ومنه توجهت سيراً على الأقدام إلى داخل الاعتصام".


سعت الشرطة لاعتقال الجرحى بانتظارهم في المستشفيات بعد الفضّ

ويضيف "الاعتصام كان يضم بعض الأصدقاء الذين أعرفهم جيداً، بحكم سكنهم بالقرب مني في منطقة عين شمس. وقرار ذهابي إلى رابعة كان من أجل الاطمئنان عليهم، ولكنني لم أستطع الوصول إليهم لأنهم كانوا في الجهة المقابلة لي، فقررت المساعدة مع غيري في نقل المصابين إلى المستشفى الميداني، من ناحية مبنى إدارة الشؤون المالية والإدارية للقوات المسلحة". ويتابع: "ساعدت في نقل مصابين اثنين، وعند حملي للثالث شعرت بطلقة نارية تخترق ظهري، فسقطت أرضاً فاقداً للوعي، حتى تبين لاحقاً إصابتي بشلل نصفي، لا أزال أعاني منه حتى الآن. والمأساة تتمثل في عدم تقديم الحكومة أي دعم لي في أي مرحلة من العلاج طوال هذه السنوات، حيث تتكفل إحدى الأسر بتوفير مبلغ 1200 جنيه شهرياً (75 دولاراً) مقابل علاجي، نظراً لأن والدي متوفي، وأسرتي بسيطة الحال".

وحسب إحصائيات وزارة الصحة المصرية، فإن 4201 مصاب سقطوا كحصيلة لجميع الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن في جميع المحافظات، خلال يومي 14 و15 أغسطس 2013، في وقت تؤكد فيه منظمات حقوقية مستقلة، أن فض اعتصام رابعة العدوية أسفر وحده عن أكثر من 5 آلاف مصاب، إلا أن البعض منهم رفض تلقي العلاج في مستشفيات الوزارة، لأن الشرطة كانت في انتظار المصابين الأقل ضرراً لاعتقالهم.

أما محمد ربيع (39 عاماً)، فيقول: "كنت معتصماً في ميدان رابعة مع مجموعة من أبناء محافظتي المنوفية، وأصبت في أحداث الفض بطلقة نارية أثرت بالسلب على أعصابي الطرفية. وأتلقى علاجاً شهرياً يزيد على 1700 جنيه (106 دولارات)، أوفرها من خلال مساعدات الأهل والأصدقاء، كوني متزوجا، وأعيل طفلين، ولا أستطيع العمل بدوام منتظم نتيجة صعوبة حركة يدَيّ وقدمَيّ". ويضيف ربيع لـ"العربي الجديد"، أن "الجميع تركنا نعاني مع المرض والألم، فلم نحصل على حقوقنا المشروعة كمصابين من الدولة، مثلما حدث مع مصابي ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011. كما لم تقف إلى جوارنا الجمعيات الخيرية، لأننا موصومون بالانتماء إلى جماعة الإخوان، وكأن ذلك ينزع عنا مصريّتنا، وحقوقنا في تلقي العلاج المنصوص عليها في الدستور لجميع المواطنين".


لم تهتم الدولة بجرحى الفضّ وأهملتهم رغم أنها تتحمّل مسؤوليتهم دستورياً

مع العلم أن المادة رقم 18 من الدستور المصري تنصّ على أن "لكل مواطن الحق في الصحة، وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة. وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته، أو إعفائهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم. ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ، أو الخطر على الحياة".

بدوره، يروي المصاب أيمن أبو شهبة (34 عاماً): "أصبت بطلق ناري في القدم، وطلبت من المقربين عدم الذهاب إلى مستشفى التأمين الصحي بشارع الطيران في مدينة نصر، بعد تواتر أنباء عن إلقاء القبض على الجرحى فور تلقيهم العلاج. وتوجهت على الفور إلى قريتي بمحافظة الشرقية على الرغم من إصابتي، لإخراج الطلقة من قدمي في أحد المراكز الطبية الخاصة، وأتعافى مع مرور الوقت في المنزل". ويعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الأزمة ليست في حالات الإصابة المشابهة لي، ولكن في المئات من المصابين الذين يعانون حتى اليوم من إصابات بالغة، وقد أثرت على حركتهم بشكل كلي أو جزئي، وأقعدتهم في المنزل. وغالبيتهم من أصحاب المهن، والدخول البسيطة، ويتكفل بعلاجهم أهل الخير من المقربين والمعارف، مع الإقرار بحقهم في تلقي العلاج على نفقة الدولة كغيرهم من المصابين في أحداث ما بعد الثورة".

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية