هل يمكن أن يحاسب بشار الأسد ونظامه دولياً؟ ومتى؟ وكيف؟ أسئلة أساسية يحاول وثائقي "غياهب الأسد"، الذي أعادت قناة "الجزيرة الوثائقية" بثه أخيراً، البحث عن إجابة عنها في رحلة بين مدن أوروبية ولقاءات عدة مع ناشطين وأهالي معتقلين ومحققين دوليين ومنشقين عن النظام.
لكن الوثائقي يسير كذلك عبر ملفات أخرى بشكل غير مباشر، ويذكّر خلال دقائقه السبع والأربعين بأشياء أخرى يتناساها العالم عمداً: ما الذي هرب منه السوريون الذين تنفر منهم ومن مآسيهم الآن بلاد رحلوا إليها بحثاً عن أمان وراحة. ويذكر كذلك بما ارتكبه ويرتكبه النظام الذي يعيد المجتمع الدولي التفكير في التعاون معه ولا يجد غضاضة في استمراره.
تعمل مريم حلاق ناظرة مدرسة، وهي التي قرر ابنها الطبيب أيهم، أن يخرج في الأيام الأولى لتظاهرات الربيع العربي الذي وصل إلى بلاده، وقد كانت مؤيدة للنظام السوري، وتركت وحيدها يعبر عن رأيه، لكن الأشهر التي قضاها في سجون الأسد جعلتها تتحول إلى شخص آخر.
تتقاطع حكاية أيهم مع حكايات أخرى لناشطين ومواطنين خرجوا للهتاف والتعبير عن رغبتهم في تغيير الظروف التي تعيشها بلادهم، فوجدوا أنفسهم في أقبية المخابرات وتحت أقدام الجنود، ومجرّد أرقام في المشافي والسجون والمشارح.
يحكي مازن الحمادة كيف كان الجنود يكسرون أضلاع صدره بالقفز فوقه، ثم يقلبونه ليمارسوا القفزات نفسها على ظهره، تدمع عيناه لثوان تبدو طويلة، ويقول بصوت متحشرج: "الله يحاسبهم.. والقانون". هذا الأمل الذي يعيش عليه وهو يتنقل بين كل محفل ومناسبة ليعرض صور معتقلين مثله وعائلات كاملة لم تخرج من سجون الأسد.
بالتوازي مع ما يقوم به مازن، يسعى بيل وايلي، المحقق الدولي في الجرائم ضد الإنسانية، والذي عمل في الكثير من القضايا، أن ينهي مسيرته المهنية بهذا الملف، الذي بدأ بالحصول على أكثر من 600 ألف صفحة من وثائق مخابرات الأسد وأجهزته الأمنية.
يقول وايلي إنه يستهدف وفريقه إقامة دعوى على طريقة نورمبيرغ، في إشارة إلى المحاكمات العسكرية في أربعينيات القرن الماضي لكبار المسؤولين الألمان عن جرائمهم خلال الحرب العالمية الثانية. إذ قد استندت تلك المحاكمات إلى وثائق النازية الرسمية التي كانت تسجل ما يجري من ممارسات. ويشير وايلي إلى وثيقة مفتاحية بين ما عثر عليه في بحر الأوراق والوثائق الحكومية السورية تحدد الأشخاص الذين ينبغي اعتقالهم، وهم من لهم علاقة بالتظاهرات من مشاركين وممولين ومتواصلين مع الإعلام الأجنبي.
اقــرأ أيضاً
لم يقف الوثائقي عند البحث في ما جاء في هذا الأوراق، لكنه يستمر في البحث مع هؤلاء المحققين عن شخصيات الذين ظهروا في وثائق النظام وأوراقه، ويستعرض كذلك شهادة محمد الحمود، الطبيب في مستشفى تشرين العسكري، والذي انشق عن النظام وترك العمل الحكومي، وكشف في شهادته كيف تحولت الأماكن التي تعالج الناس من جراحهم وإصاباتهم إلى بؤر تعذيب وإرهاب نفسي وتصفية وتنكيل بالعزّل.
يلتقي معد الوثائقي كذلك بمنصور العمري، الذي عمل مع أيهم في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، وشاركه الاعتقال أيضا، وخلال وجوده في السجن تمكن مع آخرين من توثيق مئات الأسماء لمعتقلين معه، وهرّب القوائم التي كتبت على قطع قماش مغمسة بالدم والصدأ.
"قيصر"، هو الاسم الحركي لعضو سابق في الشرطة العسكرية السورية، انشق واستطاع تهريب صور لمرأب مستشفى عسكري وضع فيه النظام مئات الجثث لمعتقلين صفّاهم أو قضوا تحت التعذيب، وهي وثائق يرى ستيفن راب، الذي ترأس فريق الادعاء في جرائم الحرب في رواندا، أنها أدلة أكثر من المطلوب، وهي "أوضح دعوى" رآها في حياته، وهو ما يثير غضبه من فشل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في الوصول إلى حل لهذه الجرائم.
حين يرى بشار الأسد هذه الصور يشيح بيده ويضحك ساخراً، ويقول إنه كان في القصر الرئاسي ولا يعرف شيئا عن هذا، ويضيف أنه يعتقد أنها صور مفبركة، ثم يتحدث بعد ثوان عن الجرائم الفردية، ويكمل ضحكه، الصور التي رآها لم تكن سوى لأشخاص توقفت حياتهم وهم يرون الموت. أجسادهم متيبسة والفزع في عيونهم وآثار الجوع والمرض والهزيمة النفسية بادية على كل جزء منهم.
تحكي أم أيهم عن اللحظة التي رأت فيها جثة ابنها وسط آلاف الصور التي أخرجها قيصر، تزفر وتدمع عيناها، وتقول إن راحة كبيرة شملتها حين اهتدت لمصيره، تشبه الراحة التي انتابتها حين نجحت محاولاتها وإلحاحها في الحصول على ورقة تثبت أن ابنها مات وهو محتجز لدى الأمن.
تنتظر مريم محاسبة من قتلوا ابنها، لكنها تريد أن تهتدي إلى ما تبقى من جسده لتضعه في قبر تزوره، ويريد مازن الحرية لعائلته والآلاف ممن يحمل رسائلهم كل يوم أملاً في أن يروا النور ولو بآثار تعذيب كالذي ألمّ بجسده، بينما يريد منصور أن يرى نهاية لتفكيره اليومي في هؤلاء الذين سجل أسماءهم وأخرجها أملا في أن يغير ذلك مصيرهم.
لكن الوثائقي يسير كذلك عبر ملفات أخرى بشكل غير مباشر، ويذكّر خلال دقائقه السبع والأربعين بأشياء أخرى يتناساها العالم عمداً: ما الذي هرب منه السوريون الذين تنفر منهم ومن مآسيهم الآن بلاد رحلوا إليها بحثاً عن أمان وراحة. ويذكر كذلك بما ارتكبه ويرتكبه النظام الذي يعيد المجتمع الدولي التفكير في التعاون معه ولا يجد غضاضة في استمراره.
تعمل مريم حلاق ناظرة مدرسة، وهي التي قرر ابنها الطبيب أيهم، أن يخرج في الأيام الأولى لتظاهرات الربيع العربي الذي وصل إلى بلاده، وقد كانت مؤيدة للنظام السوري، وتركت وحيدها يعبر عن رأيه، لكن الأشهر التي قضاها في سجون الأسد جعلتها تتحول إلى شخص آخر.
تتقاطع حكاية أيهم مع حكايات أخرى لناشطين ومواطنين خرجوا للهتاف والتعبير عن رغبتهم في تغيير الظروف التي تعيشها بلادهم، فوجدوا أنفسهم في أقبية المخابرات وتحت أقدام الجنود، ومجرّد أرقام في المشافي والسجون والمشارح.
يحكي مازن الحمادة كيف كان الجنود يكسرون أضلاع صدره بالقفز فوقه، ثم يقلبونه ليمارسوا القفزات نفسها على ظهره، تدمع عيناه لثوان تبدو طويلة، ويقول بصوت متحشرج: "الله يحاسبهم.. والقانون". هذا الأمل الذي يعيش عليه وهو يتنقل بين كل محفل ومناسبة ليعرض صور معتقلين مثله وعائلات كاملة لم تخرج من سجون الأسد.
بالتوازي مع ما يقوم به مازن، يسعى بيل وايلي، المحقق الدولي في الجرائم ضد الإنسانية، والذي عمل في الكثير من القضايا، أن ينهي مسيرته المهنية بهذا الملف، الذي بدأ بالحصول على أكثر من 600 ألف صفحة من وثائق مخابرات الأسد وأجهزته الأمنية.
يقول وايلي إنه يستهدف وفريقه إقامة دعوى على طريقة نورمبيرغ، في إشارة إلى المحاكمات العسكرية في أربعينيات القرن الماضي لكبار المسؤولين الألمان عن جرائمهم خلال الحرب العالمية الثانية. إذ قد استندت تلك المحاكمات إلى وثائق النازية الرسمية التي كانت تسجل ما يجري من ممارسات. ويشير وايلي إلى وثيقة مفتاحية بين ما عثر عليه في بحر الأوراق والوثائق الحكومية السورية تحدد الأشخاص الذين ينبغي اعتقالهم، وهم من لهم علاقة بالتظاهرات من مشاركين وممولين ومتواصلين مع الإعلام الأجنبي.
لم يقف الوثائقي عند البحث في ما جاء في هذا الأوراق، لكنه يستمر في البحث مع هؤلاء المحققين عن شخصيات الذين ظهروا في وثائق النظام وأوراقه، ويستعرض كذلك شهادة محمد الحمود، الطبيب في مستشفى تشرين العسكري، والذي انشق عن النظام وترك العمل الحكومي، وكشف في شهادته كيف تحولت الأماكن التي تعالج الناس من جراحهم وإصاباتهم إلى بؤر تعذيب وإرهاب نفسي وتصفية وتنكيل بالعزّل.
يلتقي معد الوثائقي كذلك بمنصور العمري، الذي عمل مع أيهم في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، وشاركه الاعتقال أيضا، وخلال وجوده في السجن تمكن مع آخرين من توثيق مئات الأسماء لمعتقلين معه، وهرّب القوائم التي كتبت على قطع قماش مغمسة بالدم والصدأ.
"قيصر"، هو الاسم الحركي لعضو سابق في الشرطة العسكرية السورية، انشق واستطاع تهريب صور لمرأب مستشفى عسكري وضع فيه النظام مئات الجثث لمعتقلين صفّاهم أو قضوا تحت التعذيب، وهي وثائق يرى ستيفن راب، الذي ترأس فريق الادعاء في جرائم الحرب في رواندا، أنها أدلة أكثر من المطلوب، وهي "أوضح دعوى" رآها في حياته، وهو ما يثير غضبه من فشل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في الوصول إلى حل لهذه الجرائم.
حين يرى بشار الأسد هذه الصور يشيح بيده ويضحك ساخراً، ويقول إنه كان في القصر الرئاسي ولا يعرف شيئا عن هذا، ويضيف أنه يعتقد أنها صور مفبركة، ثم يتحدث بعد ثوان عن الجرائم الفردية، ويكمل ضحكه، الصور التي رآها لم تكن سوى لأشخاص توقفت حياتهم وهم يرون الموت. أجسادهم متيبسة والفزع في عيونهم وآثار الجوع والمرض والهزيمة النفسية بادية على كل جزء منهم.
تحكي أم أيهم عن اللحظة التي رأت فيها جثة ابنها وسط آلاف الصور التي أخرجها قيصر، تزفر وتدمع عيناها، وتقول إن راحة كبيرة شملتها حين اهتدت لمصيره، تشبه الراحة التي انتابتها حين نجحت محاولاتها وإلحاحها في الحصول على ورقة تثبت أن ابنها مات وهو محتجز لدى الأمن.
تنتظر مريم محاسبة من قتلوا ابنها، لكنها تريد أن تهتدي إلى ما تبقى من جسده لتضعه في قبر تزوره، ويريد مازن الحرية لعائلته والآلاف ممن يحمل رسائلهم كل يوم أملاً في أن يروا النور ولو بآثار تعذيب كالذي ألمّ بجسده، بينما يريد منصور أن يرى نهاية لتفكيره اليومي في هؤلاء الذين سجل أسماءهم وأخرجها أملا في أن يغير ذلك مصيرهم.