وقالت منظمة العفو الدولية، في تقريرها السنوي عن عام 2018، إن انتهاكات حقوق الإنسان طاولت جميع معارضي الرئيس عبد الفتاح السيسي، من نشطاء حقوقيين، وناشطين عماليين، وصحافيين، وإعلاميين، ومدونين ساخرين، ومرشحين سابقين لانتخابات الرئاسة، مؤكدة أن المحاكم المصرية أصدرت أحكاماً بالإعدام والسجن لمدد طويلة على مئات الأشخاص، العام الماضي، بعد محاكمات مدنية وعسكرية جماعية جائرة.
واستهل شكري كلمته أمام مجلس حقوق الإنسان الأممي بتهنئة مندوب السنغال الدائم على توليه منصب رئيس المجلس، معرباً عن "ثقة مصر الكاملة بقدرته على إدارة أعمال المجلس على أكمل وجه، في إطار الفلسفة السامية التي قام عليها المجلس، والرامية إلى تنسيق الجهود الدولية للدفع قدماً نحو تعزيز احترام حقوق الإنسان، وبناء قدرات الدول، وتقديم المساندة لها، والاستفادة من أفضل الخبرات والممارسات".
وقال شكري إن "تلك الفلسفة يجب أن تظل المحرك الرئيسي لأنشطة واهتمامات المجلس، إلى جانب إسهامات الدول الأعضاء"، معتبراً أنه "حان الوقت لتقييم ما آلت إليه الأمور للعمل على تصحيح بعض الممارسات"، بحجة أن "البعض قد حاد عن الهدف الأساسي من إنشاء المجلس، بالسعي لتحويله لساحة لتصفية الحسابات السياسية، وتبادل الاتهامات، والتنميط السلبي للثقافات المغايرة".
ورفض وزير خارجية مصر الاتهامات الموجهة لبلاده حيال انتهاكات حقوق الإنسان، بالقول إن "البعض يحاولون فرض رؤى ومفاهيم خلافية، بل وتعميق الاختلافات التي ينبغي أن تكون مصدر ثراء، وتحويلها إلى خلافات تزرع الشقاق"، مستطرداً أن "التعددية تعد سمة البشرية منذ قديم الأزل، ولا يمكن صهر البشرية في قالب واحد، وإجبارها على الاتفاق على رؤية واحدة للعالم"، على حد تعبيره.
وزعم شكري أن النظام المصري يسعى لـ"تعزيز القيم الإنسانية المشتركة، وترسيخ مبدأ قبول التعددية والاختلاف، واحترام ذلك"، مضيفاً أن "حقوق الإنسان هي مجموعة مترابطة من الحقوق التي لا تقبل التجزئة، وعلى رأسها الحق في الحياة، الذي يعد أسمى هذه الحقوق، ونقطة ارتكاز كافة الحقوق الأخرى، ويتعرض في الوقت الراهن لهجمة شرسة جراء انتشار خطر الإرهاب البغيض في أرجاء العالم تحت ستار الأديان".
وتابع: "من المؤسف تعرض الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لقدر معتبر من الإهمال، ما يحتم العمل على تجديد الاهتمام بها، خاصة مع استمرار معاناة نسبة كبيرة من دول العالم النامي من الفقر، وافتقارهم إلى أبسط الضروريات الأساسية. مع الأخذ في الاعتبار أن تأمين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية هو الوسيلة لتمكين الأفراد من المطالبة بحقوقهم السياسية والمدنية".
وقال شكري إن "مجلس حقوق الإنسان الأممي يضطلع بدور محوري في الارتقاء بحقوق الإنسان على الساحة الدولية. في حين تولي مصر اهتماماً كبيراً بمتابعة المبادرات الخاصة بتعزيز عمله، وتؤكد ضرورة احترام حزمة البناء المؤسسي، التي سبق أن توافقت عليها الدول، وتمثل توازناً دقيقاً ينبغي الحفاظ عليه".
وطالب بـ"البعد عن أي مقترحات قد تؤدي إلى تعميق الممارسات السلبية، وزيادة الاستقطاب داخل المجلس بصورة تهدد مصداقيته وعالميته"، مستدركاً أن "الشعوب تتطلع لأن يؤدي المجلس دوره في ترسيخ التعايش والتسامح، ودعم التمتع بكافة حقوق الإنسان دون تمييز، ونبذ الاستعلاء الحضاري والثقافي والعنصري الذي يمارسه ويدعو له البعض، من دون إدراك لمغبة تلك الصراعات على الاستقرار الدولي".
واستكمل قائلاً: "يجب على الجميع التيقن من أنه لا يحق لأي طرف أن يجعل من نفسه مفتشاً، يُقيّم الآخرين أو يُنصب ذاته قاضياً، وخصوصاً أن عملية تعزيز حقوق الإنسان بطبعها عملية تراكمية ومتواصلة لم تصل فيها أي دولة إلى الكمال. فكل دولة تسعى لتحقيق أهدافها الوطنية في مجال حقوق الإنسان، والبناء على النجاحات وتصويب أي اختلالات، مع تفاوت الظروف والتحديات التي تجابهها الدول"، حسب قوله.
وتطرق شكري، في كلمته، إلى "التحديات المتشابكة التي تستدعي تكاتف الجهود لمجابهتها، وتشمل ظواهر مثل تنامي القوى الشعبوية، واليمين المتطرف، في العديد من الدول المتقدمة، بما يُنذر بعواقب وخيمة تهدد الإنجازات التي حققتها الحركة الحقوقية العالمية على مدار السنوات الماضية".
وعن الأوضاع في الشرق الأوسط، قال "إن ما شهدته المنطقة من حالات انهيار للدولة الوطنية، مع صعود لبعض الكيانات السرطانية من الجماعات المسلحة والإرهابية تحت شعارات خادعة، يستوجب الوقوف طويلاً بالتدقيق والتحليل لما أسفرت عنه تلك الحالات من تداعيات كارثية على الأمن والاستقرار الدوليين. والعمل للخروج من تلك الحلقة المفرغة بالتصدي للإرهاب، وداعميه، ومموليه، بالتوازي مع تعزيز واحترام حقوق الإنسان، ونشر ثقافة التعايش والتسامح وقبول الآخر".
ووفقاً لشكري، فإن مصر تشدد على أهمية "تعزيز التعاون الدولي في إطار المجلس لحماية حقوق الإنسان في مناطق النزاعات، وتبني مقاربات عملية لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، التي امتدت ليظل الشعب الوحيد بالعالم الذي يرزح تحت الاحتلال الأجنبي، علاوة على تقديم الدعم المطلوب لتخفيف آثار الأزمة في سورية على المدنيين".
وأكد كذلك أن بلاده ستحرص على "المشاركة الفعالة لتعزيز حقوق الإنسان على المستوى الأفريقي كأولوية، خلال فترة رئاسة مصر الحالية للاتحاد الأفريقي خلال عام 2019، وضمان تمتع أبناء القارة السمراء بكافة الحقوق، وفي مقدمتها الحق في التنمية، ودعم تنفيذ أهداف الاتحاد الأفريقي ذات الصلة".
وأشار شكري إلى أهمية اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان في مصر، والتي صدر قرار بتشكيلها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بهدف وضع استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، ومتابعة تنفيذها. كذلك أشار إلى مبادرة الرئيس المصري بإطلاق حوار مجتمعي موسع بمشاركة الأطراف ذات المصلحة، لتعديل القانون المعني بالمنظمات غير الحكومية، في إطار تعزيز دورها كشريك للدولة في تحقيق التنمية.
وادعى أن "مصر شهدت حالة من التقدم على صعيد كفالة واحترام حرية الدين والمعتقد، بناءً على دعوة السيسي إلى تجديد الخطاب الديني، ونبذ التطرف والغلو في الدين، ومواجهة دعاوى الكراهية والعنف"، مستشهداً في هذا الصدد بافتتاح أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط، وأكبر مسجد في مصر، في العاصمة الإدارية الجديدة "وفق رؤية واضحة تقوم على ترسيخ مبادئ المواطنة والمساواة وعدم التمييز".
وواصل في كلمته: "مصر تستهدف تعزيز التمتع بالحق في السكن اللائق من خلال خطة طموحة للقضاء على العشوائيات، وكذا تعزيز التمتع بالحق في الصحة عبر مبادرة القضاء على فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي (سي)، والكشف عن الأمراض غير السارية، فضلاً عن تطبيق قانون التأمين الصحي الشامل الذي اعتمده البرلمان المصري".
وقال شكري إن "الحكومة المصرية حريصة على الوفاء بالتزاماتها الدولية، ومتابعة تفاعلها البناء مع مختلف الآليات الدولية لحقوق الإنسان، وسعيها نحو توفير تعليم لائق، بما يعزز من قدرة المواطنين على التمتع بحقوقهم"، مشيراً إلى أن بلاده تعد حالياً لجلسة المراجعة الدورية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل "على ضوء جهودها لبناء الإنسان، بوصفه الأساس والهدف الحقيقي لكافة برامج التنمية".
وختم وزير الخارجية المصري بالقول إن "الجهود الوطنية تستهدف تمكين المرأة المصرية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، من خلال استراتيجية تمكين المرأة 2030، والتي تتضمن حزمة من الإجراءات والتشريعات. وكذا جهود الارتقاء بأوضاع ذوي الاحتياجات الخاصة، بعد اعتماد مجلس النواب أخيراً القانون الخاص بالمجلس القومي لذوي الإعاقة، بما يسمح له بممارسة صلاحياته في هذا الشأن".