شكراً صالح

03 مايو 2017
ليس "عيد العمل"... (رونالدو شميت/ فرانس برس)
+ الخط -

- بابا! أليس نور وجليل ومحمد عمّالاً؟
- بلا. هم عمّال!
- ولماذا يعملون في العيد؟
- العيد؟
- العمّال يرتاحون في عيد العمّال. هذا ما قالته الآنسة رنا.
- هذا صحيح.
- لكنّهم يعملون. لماذا؟ صالح أيضاً يعمل!
ويمضي ماجد في أسئلته، قبل أن يشرح لوالده ما هو هذا العيد. يبدو أنّ كلام الآنسة رنا كان له أثره في نفس ابن السنوات الأربعة.
- هل تعلم؟ البعض يقولون إنّه "عيد العمل"...
- صحيح.
- لكنّ هذا خطأ! إنّه "عيد العمّال" وليس "عيد العمل".
- ...
- هل تعرف لماذا؟
- لماذا؟
- لأنّ هذا اليوم مخصّص حتى نقول شكراً للعمّال الذين يتعبون من أجلنا ومن أجل العالم كلّه. لذا يجب أن نقول لهم شكراً وهم يجب أن يرتاحوا. هذا ما قالته الآنسة رنا.

الحوار كان يدور باللغة الإنكليزيّة، أمام محطّة للمحروقات في إحدى البلدات اللبنانيّة. كان ذلك أمس الأوّل. الصغير لم يلتحق بمدرسته ولا والده بعمله، فـعيد العمّال عطلة رسميّة في البلاد.

ما هي إلّا برهة قصيرة حتى عدل الوالد عن غسل سيّارته. تراجع عن خطّته وقد شعر ربّما بنوع من الخجل. لا بدّ من أن يكون قد شعر بذلك. الصغير لم يترك له مجالاً لغير ذلك. وعندما أراد الالتفاف للعودة أدراجه، فتح الصبيّ شبّاك السيّارة الخلفيّ وقال لصالح: شكراً! ردّ العامل البنغاليّ الابتسامة له، قائلاً بدوره: شكراً! وشعر الصغير بأنّه حقّق إنجازاً جللاً، لا بل هو "واجب" بحسب ما سبق وأكّدت الآنسة رنا عشيّة عطلة نهاية الأسبوع الماضي. لا بدّ من أنّها سوف تفخر به.

صغارنا يبحثون عمّن يفخر بهم. هم ليسوا بـ "قاصرين". هم ليسوا بناقصي عقل، مثلما يُخيَّل لنا. هم ليسوا "كائنات خارجة عن السيطرة" نشكو من عجزنا عن ضبطهم. نحن لسنا في حاجة إلى "فرض سيطرتنا" عليهم. هم يبحثون عمّن يعيرهم اهتماماً. يكفينا بعض وقت وبعض منطق وبعض حسن التدبير وبعض دبلوماسيّة خلال تواصلنا معهم. صغارنا أهل لاتخاذ مواقف مناسبة في حينها. هم مسؤولون. فلنكن كلّنا ثقة. نعم، هم صغار إلّا أنّهم أهل لتحمّل المسؤوليّة، كلّ بحسب قدراته. ويدعو هؤلاء الذين يحاولون الغوص في النفس البشريّة ذوي الصغار إلى تحميلهم بعضاً من المسؤوليّة. هم ليسوا عاجزين عن ذلك. بالعكس، هم يبحثون عن "دور" يؤدّونه في محاولاتهم الكثيرة للتماهي مع هؤلاء "الكبار" الذين لهم أثرهم الكبير في حياتهم ونفوسهم.

شكراً صالح.. شكراً نور وجليل ومحمد.. وشكراً آنسة رنا.


المساهمون