شعوبنا الجميلة

10 يوليو 2018

منى المذبوح.. شتمت المصريين بكلام وقح فنالت حكما جائرا

+ الخط -
تُرى من أقنع الشعوب العربية بأنها شعوب متحابّة، تتقاسم الهويّة نفسها، وتطمح إلى توحيد مصيرها؟ فالناظر إلى الحروب الشرسة التي تنشب بين حين وآخر، على وسائل الاتصال الاجتماعي، بين أبناء شعب عربي وآخر، لأتفه الأسباب، (كرة قدم، تصريح أو هجوم انتقادي، شتيمة أو موقف عنصري)، لا بدّ من أن يردّ العداءَ هذا إلى أسبابٍ خفيةٍ وسابقةٍ، تتعدى الحدثَ نفسه، وتطاول تاريخا من الغلّ والذلّ، لم يتمكّن الطرفان من هضمه بعد. تلك هي حال العلاقات بين البلدان المستعمَرة والمستعمِرة بشكل عام، المحتلة أو الواقعة تحت الاحتلال، المتحاربة والمتنافسة، إلخ. ولكن الحالة العربية أبعد ما تكون عن هذا، وإنْ وجدت فيها استثناءاتٌ من نوع الوجود العسكري السوري الطويل في لبنان، أو هجوم عراق صدام حسين على الكويت.
فالمتعقّل المتابع لما يقال على الشبكة العنكبوتية، أخذا وردّا، هجوما ودفاعا، و "ردحا"، سيتمنى لو أنه لا ينتمي إلى أيّ من الطرفين، حيث منسوب الكراهية عالٍ جدا، والألفاظ نابية وعدائية، والشتيمة لاذعةٌ وجارحة. هنا، شعبٌ يخاطب شعبا آخر: أنتم السوريون، أنتم اللبنانيون، نحن المصريون، نحن السعوديون، إلخ، وتنهال النعوت والأوصاف والمسبّات، إلى درجةٍ يشكر معها الواحدُ ربّه على وجود الأطراف المتخاصمة على مسافاتٍ متباعدة، أو أقلّه، على افتراضية المواجهات التي لو تحققت، لأظهرت عنفا ما بعده عنف، ولأدّت حتما إلى سفك الدماء. وبغض النظر عمّا يشير إليه ذلك من شوفينيةٍ وعصبيةٍ، وفقر ثقافي لم يعلّم الانفتاحَ على الآخر وقبوله في اختلافه، أو وضعَ الأمور في نصابها الصحيح حدّا أدنى، وعدمَ تضخيمها والتعامل معها على أنها مساسٌ بالكرامة والشرف وسواه، فإن العداء الناشب يقول، في كل مرة، الكثير عمّا وصلت إليه أحوالنا العربية من تدهور وتراجع وانحطاط.
أخيرا، نشرت شابةٌ لبنانيةٌ، تدعى منى المذبوح، في أثناء زيارتها مصر خلال شهر رمضان، شريط فيديو على صفحتها في "فيسبوك"، شتمت فيه الشعب المصري بكلام وقح وبذيء، متهمة إياه بالتحرّش الجنسي وبالسرقة، ثم نشرت شريطا ثانيا قالت فيه إنها لم تقصد الشعب المصري، وإنما من تعرّضوا لها. ومن يشاهد الشريط لن يصعب عليه تميّز النبرة الفوقية التي ترافق غضبها، ما بدا أنه سبّب لها ضيقا فعليا. المهم، جاء رد الفعل المصري سريعا، فأوقفتها السلطات المصرية احتياطا، ثم أحالتها إلى محكمة جنح في القاهرة التي دانتها بالحبس ثمانية أعوام (بدلاً من 11 عاما تم بسرعة تخفيضها إلى ثمانية)، "لإذاعتها عمدا إشاعات كاذبةً من شأنها المساس بالمجتمع، والتعدّي على الأديان، إضافة إلى صناعة وعرض محتوى خادش للحياء العام عبر صفحتها في موقع فيسبوك"، وفق بيان النيابة العامة.
غنيّ عن القول إن الحكم جاء جائرا بحق منى، إذ كان منطقيا الاكتفاء بتغريمها وترحيلها من البلاد، ومنعها من دخولها ثانية. لكن، أن تسجن كل تلك السنوات بسبب بذاءة، فهذا ما يدل على أن النظام يمارس أحكاما تعسّفية باسم الوطنية، ويطرح تساؤلاتٍ عن طبيعته الفعلية وممارساته.
قيل ذلك وما يشابهه في أكثر من موضع، لأن من العقلاني أن يُقال، وأن يعاد، حين يكون مصير فرد وحياته في الميزان. لكنّ الحروب الكلامية التي اشتعلت، ردّا على مثل هذا الكلام المعتدل والعادل، جاءت مخيفةً، تطالب بأقصى العقاب لمنى، وقد لا يضيرها ربما أن يصل الحكمُ حدَّ الإعدام.
منظرٌ مرعبٌ لمشهد رجمٍ افتراضي، تقشعرّ له الأبدان، بدليل أن صور استُحضرت من الواقع للمصريّ محمد مسلم الذي تم قتله وسحله، والتمثيل بجثته في بلدة كترمايا اللبنانية (2010)، من دون حمايته أو محاكمته، بعد الاشتباه بقتله أربعة أشخاص واعترافه بذلك. عدةٌ هم الذين تسلّحوا بصورة الجثة الدامية، المعلقة عاريةً، ومن حولها الجموع الدموية المنتقمة، ليبرّروا الحكم الذي اعتبروه "مخفّفا" على اللبنانية الشتّامة التي لم تُقم أية حرمة للشعب المصري. "أنتم قتلتم من دون محاكمة وبمجرد الاشتباه"، كان المعلّقون على صفحات تويتر وفيسبوك يقولون، "بينما نحن حكمنا فقط، بـ 11 عاما خفضناها إلى ثماني سنوات".
جريمة مقابل شتيمة، والواقع مختلط بالافتراضي، وثمّة من يتابع، مدوِّنا ما يتمّ تسجيله من نقاط.
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"