10 ابريل 2019
شعب يريد... ونظام يسقط
الشعب يريد إسقاط النظام.. كم ترددت هذه الكلمات على أسماعنا، وكم هتفت بها الشعوب التي تروم خلاصها من الطغيان والتحرر من الظلم. سقطت أنظمة بعد هذه الكلمات وتغير حكام لطالما جثموا على صدور شعوبهم، بعد أن أذاقوا الشعوب مرّ قهرهم وسطوتهم..
ولكن في هذه المدينة يبدو مشهد سقوط النظام على غير ما تطمح الشعوب الحرة وتبتغي، فعندما يتسلط القوي على الضعيف وتعتاش الذئاب على قوت الفقراء، هنا السقوط الحقيقي للنظام، فالمدن التي تعيش من دون سلطة تحمي الحقوق وتصونها وترعى مصالح الناس وتذود عنها ساقطة، بلا نظام..
نعم هنا يحكم قانون الغاب، حين يطغى الجشع على دعوة الإنسانية، وتحكم الفوضى مرافئ الدولة ودوائرها، فلا تكاد تجد ما يدل على أنك في دولة يحكمها قانون ونظام كما في الدول المتحضرة، أو على أقل تقدير الدول التي من الممكن أن نقول عنها إنها دولة طغى الفساد في كل مكان فيها، وحورب المواطن الضعيف في قوته واستُغل صاحب الحاجة، واختلط الحابل بالنابل وسكت صوت الحق وارتفع الباطل وصُفق له..
ربما سيقول أحدهم إنها نظرة متشائمة مأساوية، لكنها الحقيقة يا سيدي فبائع الأمل هنا بضاعته مزجاة، وحديث الناس لن تجد فيه ثمة أمل، فكل منهم يتكلم عن آلام وأحزان لا تعد ولا تحصى.. الآلاف يتهافتون على التصوير معهم وسماع قصصهم، ولكن لم يجدوا من ينصفهم ويؤدي إليهم شيئا من حقوقهم، تجد حديث الأمل افتراضياً فيسبوكياً، يصور لك المدينة وكأنها تنعم بحياة رائعة كريمة، وأن ربيعها دائم الخضرة، وشوارعها رُصت بأفضل أنواع الخدمة، وحدائقها زرعت بالورود والأشجار، كل ذلك سراب يحسبه الظمآن ماءً..
فالمدينة معدومة الخدمات بعد سنتين من استعادتها من أعتى قوى الشر، إنه جرحنا الغائر الذي ما زال ينزف في مدينتنا القديمة وشوارعها البائسة وجثث أبنائها، التي ما زالت تحت أنقاض بيوتهم المهدمة، وما زال مدّعو الإنسانية يذهبون لالتقاط الصور على أطلالها، ليكتبوا عليها أبيات شعر، أو يتغنوا بحب من لا يحبون..
على مداخل هذه المدينة المحطمة المنكسرة عُلقت لافتات شكر وعرفان، وقام السيد فلان أو ستقوم الجهة المسماة ببناء وتعمير كذا وكذا، لافتات تستطيع قراءتها على بعد مئات الأمتار، لأنه في الحقيقة ما بينك وبينها أكوام من الحجارة أو أرض خاوية على عروشها، خالية من أهلها..
سنسأل تلك الأشجار العطشى على قارعة الطريق، أو ذلك الجدار المهدم بعد صموده لمئات السنين، ستحكي لنا عن المدينة العجوز التي تركها أبناؤها حائرة بين حضن دار العجزة وعطف الغرباء الذي مهما بلغ فلن يستطيع أن يؤدي معشار حقها، ثم ما لبث القائمون على إدارة الدار حتى بدأوا باستغلالها وسرقة جميع ما تملك..
هربت هلعاً من سطوتهم وجور ظلمهم راحت مهرولةً بين قفار الأرض ووديانها تبحث عمّن ينصفها ويشعرها أنها في مأمن عن تربصهم، لتتلقاها الذئاب في ليلة ذات ظلام عميق وبرد قارس، كل شيء هنالك هامد، لا صوت إلا صوت الريح، الموت يمشي حافياً، الذعر يجيء من كل جانب، العتمة سيدة الأشياء، وحدها النجوم الخجلى كانت تتراقص مثل ذبالة مصباح يوشك أن ينطفئ في الأفق البعيد..
الموصل المدينة المكلومة التي ما لبثت أن نفضت غبار الحرب حتى أضاعت البوصلة، وفقدت طوق النجاة في بحر لجي هائج تعمه الفوضى ويغشاه اللا نظام، أقدم حضارة في التاريخ وأول مدنية نشأةً، تبحث عن مرسى تبتعد فيه عن همجية الدم وأزيز الرصاص.. وآن لها أن تلوذ بذلك المرسى!
ولكن في هذه المدينة يبدو مشهد سقوط النظام على غير ما تطمح الشعوب الحرة وتبتغي، فعندما يتسلط القوي على الضعيف وتعتاش الذئاب على قوت الفقراء، هنا السقوط الحقيقي للنظام، فالمدن التي تعيش من دون سلطة تحمي الحقوق وتصونها وترعى مصالح الناس وتذود عنها ساقطة، بلا نظام..
نعم هنا يحكم قانون الغاب، حين يطغى الجشع على دعوة الإنسانية، وتحكم الفوضى مرافئ الدولة ودوائرها، فلا تكاد تجد ما يدل على أنك في دولة يحكمها قانون ونظام كما في الدول المتحضرة، أو على أقل تقدير الدول التي من الممكن أن نقول عنها إنها دولة طغى الفساد في كل مكان فيها، وحورب المواطن الضعيف في قوته واستُغل صاحب الحاجة، واختلط الحابل بالنابل وسكت صوت الحق وارتفع الباطل وصُفق له..
ربما سيقول أحدهم إنها نظرة متشائمة مأساوية، لكنها الحقيقة يا سيدي فبائع الأمل هنا بضاعته مزجاة، وحديث الناس لن تجد فيه ثمة أمل، فكل منهم يتكلم عن آلام وأحزان لا تعد ولا تحصى.. الآلاف يتهافتون على التصوير معهم وسماع قصصهم، ولكن لم يجدوا من ينصفهم ويؤدي إليهم شيئا من حقوقهم، تجد حديث الأمل افتراضياً فيسبوكياً، يصور لك المدينة وكأنها تنعم بحياة رائعة كريمة، وأن ربيعها دائم الخضرة، وشوارعها رُصت بأفضل أنواع الخدمة، وحدائقها زرعت بالورود والأشجار، كل ذلك سراب يحسبه الظمآن ماءً..
فالمدينة معدومة الخدمات بعد سنتين من استعادتها من أعتى قوى الشر، إنه جرحنا الغائر الذي ما زال ينزف في مدينتنا القديمة وشوارعها البائسة وجثث أبنائها، التي ما زالت تحت أنقاض بيوتهم المهدمة، وما زال مدّعو الإنسانية يذهبون لالتقاط الصور على أطلالها، ليكتبوا عليها أبيات شعر، أو يتغنوا بحب من لا يحبون..
على مداخل هذه المدينة المحطمة المنكسرة عُلقت لافتات شكر وعرفان، وقام السيد فلان أو ستقوم الجهة المسماة ببناء وتعمير كذا وكذا، لافتات تستطيع قراءتها على بعد مئات الأمتار، لأنه في الحقيقة ما بينك وبينها أكوام من الحجارة أو أرض خاوية على عروشها، خالية من أهلها..
سنسأل تلك الأشجار العطشى على قارعة الطريق، أو ذلك الجدار المهدم بعد صموده لمئات السنين، ستحكي لنا عن المدينة العجوز التي تركها أبناؤها حائرة بين حضن دار العجزة وعطف الغرباء الذي مهما بلغ فلن يستطيع أن يؤدي معشار حقها، ثم ما لبث القائمون على إدارة الدار حتى بدأوا باستغلالها وسرقة جميع ما تملك..
هربت هلعاً من سطوتهم وجور ظلمهم راحت مهرولةً بين قفار الأرض ووديانها تبحث عمّن ينصفها ويشعرها أنها في مأمن عن تربصهم، لتتلقاها الذئاب في ليلة ذات ظلام عميق وبرد قارس، كل شيء هنالك هامد، لا صوت إلا صوت الريح، الموت يمشي حافياً، الذعر يجيء من كل جانب، العتمة سيدة الأشياء، وحدها النجوم الخجلى كانت تتراقص مثل ذبالة مصباح يوشك أن ينطفئ في الأفق البعيد..
الموصل المدينة المكلومة التي ما لبثت أن نفضت غبار الحرب حتى أضاعت البوصلة، وفقدت طوق النجاة في بحر لجي هائج تعمه الفوضى ويغشاه اللا نظام، أقدم حضارة في التاريخ وأول مدنية نشأةً، تبحث عن مرسى تبتعد فيه عن همجية الدم وأزيز الرصاص.. وآن لها أن تلوذ بذلك المرسى!