شعبية هولاند تستمرّ بالانهيار... وهو مصرّ على البقاء

10 سبتمبر 2014
بدا هولاند منهكاً في قمة الأطلسي (آلان جوكارد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

تأكّد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند هذا الأسبوع، من حقيقة أن "المصائب لا تأتي فرادى"، فبعد أن حطّمت لاشعبيتهُ الرقم القياسي في كل تاريخ الجمهورية الخامسة الفرنسية، إذ لم يعد يوافق على سياسته سوى 13 في المئة من الفرنسيين، جاء استطلاع جديد للرأي، نشرته صحيفة "لوجورنال دي ديمانش" الأسبوعية، أمس الأحد، ليُظهر أن 85 في المئة من الفرنسيين لا يريدونه مرشحاً رئاسياً لعام 2017، بل أن 44 في المئة من هؤلاء لا يتوقّعون ترشحه للرئاسة مرة أخرى.

وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي لا تصنع حكومة، لكنها تصنع رأياً عاماً يستطيع التأثير على القرار السياسي، حين يتحوّل إلى قوة مادية من خلال التظاهرات.

ولا يخفي هولاند متابعته استطلاعات الرأي، وإدراكه أنها ليست في صالحه، ولهذا أشهرَ في وجهها شرعيته الدستورية: "أنا باقٍ، ولن أَحِيد عن برنامجي". ورأى البعض في هذا الأمر انتحاراً سياسياً وعناداً لا طائل منه.

لم يتوقف انهيار شعبية هولاند منذ شهور عديدة، ولم تنفع كل الوصفات في حل هذه المشكلة، فلم يسعفه تغيير الحكومة مرتين، ولا الحضور الرئاسي الكثيف في كل الاحتفالات التي لها علاقة بالحربين العالميتين وبالذاكرة الفرنسية، ولا حتى قراراته في السياسة الخارجية، بما فيها التدخل العسكري في مالي وأفريقيا الوسطى، ولا عناده الصادق الذي أفشلهُ تقاعُس نظيره الأميركي باراك أوباما المريب في شأن التدخل في سورية بعد استخدامها للسلاح الكيماوي ضد شعبها، ولا التدخل الموارب في كردستان العراق نفعه في شيء.

لم يؤثر العامل الخارجي، هذه المرة، في رفع شعبية الرئيس الفرنسي، وبالتالي رفع معنوياته. وظل الداخل هو المحدّد الأساس لانهيار هذه الشعبية. وبما أن الواقع الاقتصادي عنيد، والنتائج المرجوّة ليست قريبة، والبطالة في ارتفاع مضطرد، وهو ما حطّم معنويات الفرنسيين، وتسبب في انهيار شعبية هولاند.

والحقيقة أن عوامل أخرى إضافية ساهمت في هذا "الطلاق" بين الرئيس والفرنسيين. ويُجمِع المحللون السياسيون على أن هولاند لا يعاني من كراهية الفرنسيين لشخصه، خلافاً لما كان عليه سلفه نيكولا ساركوزي، بل إن الفرنسيين لم يستطيعوا قراءة سياسته وسلسلة الفشل والخيبات والنتائج السيئة جعلته، كما تقول الصحافية سيسيل عمّار (التي كرسّت له أخيراً كتاباً بعنوان: "كل شيء سيّءٌ حتى الآن")، "يتصّلب ويبدو لا مبالياً تجاه الآخرين. والمسؤولية جعلته فظاً مع معاونيه، خلافاً لما كان عليه زمن ترؤسه للحزب الاشتراكي".

وإذا كان ساركوزي احتفظ برئيس وزراء واحد، فإن تغيير الحكومات لا يمكن أن يبدو في نظر الفرنسيين سوى اعترافاً بالفشل، خصوصاً إذا أُقْصِيَت أطراف بأكملها من الحكومة، كما حصل مع حزب "الخضر"، بل وحتى من داخل الحزب، كما حدث مع يسار الحزب الإشتراكي.

وإذا كان الحزب الاشتراكي راهن كثيراً على جعل الحياة السياسية أكثر "أخلاقية"، فإن الوقائع على الأرض تكذّب هذا الادعاء، وتجعله كغيره من الأحزاب تتناهشه الفساد والانتهازية. ولَكَمْ كانت فضيحة الوزيرين، جيروم كاويزاك وطوماس تيفينود، بتهمة الاحتيال الضريبي، كبيرة وتأثيراتها كاسحة وستظل تلاحق الرئيس وحكومته.

في هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والنفسية الكئيبة التي تمر بها فرنسا ورئيس جمهوريتها، جاء كتاب فاليري تريرفيلر، الشريكة السابقة للرئيس الفرنسي، ليُجهز على ما تبقى من روح النكتة لدى الرئيس. واكتشف الفرنسيون أشياء (يمكن أن تكون مغلوطة، كما يقول كثيرون، ولكن الخبر انتشر وإصلاحه صعب) سيئة عن الرئيس، يمكن أن تزيد في انحسار شعبيته، وتُحيّم كل أمل في ترشحه وتجديد ولايته الرئاسية.

يرسم الكتاب صورة إنسان ورئيس جمهورية دنيء وكاذب ومُعادٍ للفقراء. ويبدو أن تأثير هذه الاتهامات رهيب على شعبية الرئيس، مما دفعه إلى التعليق عليه، وهو في مؤتمر قمة لدول حلف شمال الأطلسي، نافياً هذا الأمر، ومؤكداً أنه أفنى حياته للفقراء والضعفاء.

قد يكون الرئيس على حق، وتكون شريكته السابقة مغالية، بل ومدعية وكاذبة، ولكنّ تصريحات رئيس الوزراء مانويل فالس، التي تقطر "عشقاً" لأرباب العمل والمقاولات، وتصريحات وزير العمل، إيمانويل ماكرون، المهاجمة للفقراء والعاطلين عن العمل الذين يَغُشُّون الدولة، لا تسير في خط تبرئة هولاند.

الصحافيون الذين حضروا مؤتمر قمة حلف الأطلسي، اكتشفوا رئيساً فرنسياً منهكاً، بل وشارداً. وكانت صُور الرئيس جالساً لوحده، بعيداً عن القادة الغربيين الآخرين، تُظهر "رجل أوروبا المريض" (وهو وصف أُلصق به، بعد اكتساح الجبهة الوطنية المتطرفة للانتخابات الأوروبية)، في قمة عزلته. فقد جاء كتاب تريرفيلر في وقت حرج، إضافة إلى استطلاعات الرأي التي تجعله خاسراً في الدور الثاني أمام مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان.

أكّد الرئيس الفرنسي في هذه القمة أنه ماضٍ في سياسته وفي حكمه، وهو ما يعني رفضه لأي من هذه الحلول الثلاثة: حل البرلمان، أو الاستقالة، أو الاستفتاء. هذا الرفض يجد صداه في تصريح فالس الذي انهارت، هو الآخر، شعبيته (30 في المئة من الفرنسيين فقط راضون عن سياسته)، بضرورة الصمود.

وإذا كان المتشائمون واليائسون من حالة هولاند يرون أنه لا زال بإمكان شعبيته أن تنهار أكثر، إلا أن الرئيس يُعوّل على تفهّم الفرنسيين لجهوده من أجل رسم صورة فرنسا الخارجية، في أوكرانيا والعراق وسورية وتشاد وغيرها. وإذا كان العامل الخارجي لم يدخل بعد في المعادلة كما يشتهي الرئيس، فإن البشرى جاءت، هذه المرة من البنك الأوروبي الذي خفّض أسعار الفائدة. وهو ما قد يشجع الصادرات الفرنسية وعلى رأسها طائرات الإيرباص، ويستوعب أعداداً مهمة من العاطلين عن العمل.

هنا فقط سيضحك الحظ في وجه هولاند ويجعل الفرنسيين يتناسون بعض أخطائه، ويعيد إليه روح النكتة، ولو على "الفقراء الذين لا أسنان لهم!".

المساهمون