أبدع المصريون في صوغ شعارات ثورتهم في جمل مختزلة ورشيقة تعبر عن قدرتهم على تلخيص مطالباتهم وهمومهم. وإذا كان قصب السبق يعود للتونسيين في صوغ عبارة "الشعب يريد"، فإن المصريين هم من نقلوا إبداع الشعارات إلى مرحلة متفوقة، بل ومبهرة. الغوص في هذه الشعارات وتحليل دلالاتها وعناصرها وآليات اشتغالها هو ما تصدى له نادر سراج، الباحث والأكاديمي اللبناني في علوم اللسانيات، في هذا الكتاب الممتع. سراج جاء إلى الموضوع من خلفية عميقة في هذا الحقل؛ إذ كان قد حصل على جائزة مؤسسة الفكر العربي، عن أهم كتاب عربي صدر في عام 2013، وحمل عنوان "الشباب ولغة العصر". اعتمد الكتاب ميدانيا على مدونة 1700 شعار مهتوف ومكتوب، علاوة على الكتابات الجدارية والرسوم الجرافيتية والنكات، شكلت جميعها قاعدة المعلومات في كتاب: "مصر الثورة وشعارات شبابها" الصادر هذا العام عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة.
الشعار، بحسب سراج، هو "تعبير دعائي وإعلامي مختصر ومثير للإعجاب، وهو متى اتصف بالكناية الجيدة، بات وسيلة تعبير جماهيرية متكاملة ومركزة. وهنا تكمن الوظيفة الأساسية للغة، الحاضن الأهم والناقل الطبيعي للشعار. منتجو الشعار ومروجوه هم في أغلبهم ناشطون في المجتمع المدني، ومناضلون وطلاب وعمال ومواطنون، أمثال "حركة شباب 6 أبريل" و"الألتراس" و"البلاك بلوك" وسواهم ممن تولوا بثّ الزخم المتواصل في الحراك السياسي، وواجهوا وجابهوا وقدموا شهداء، وفي نهاية المطاف انتصروا.
يتناول سراج بتحليل طويل دور الشعارات السياسية التحريضي والتعبوي، ويتوقف عند مركزية حثّها للكتلة الكبيرة من اللامبالين، أو الشريحة الواسعة لما صار يعرف بـ"حزب الكنبة" على التخلي عن الالتصاق بتلك الكنبة والمشاركة في التظاهر؛ خاصة بعد التحرشات المتتالية بالمشاركات في الاحتجاجات، وهكذا تردد في مسيرة "حراير مصر" هتاف بدلالة خاصة، في المجتمع المصري: "يا رجالة اقعدوا في بيوتكو.. بنات مصر حاتجيب حقوقكو".
لم ينضب معين المصريين، فكانوا يُدخلون التعديلات على الشعار بشكل متواصل ومتفاعل مع الحدث السياسي وتغيراته السريعة. فمثلا وعلى إثر محاولة تزييف الإرادة الشعبية وخداع الناس، من خلال تغيير تجميلي في واجهة النظام، لا بنيته وسياساته، ابتكر المصريون شعار "باطل". ولحقت تعديلات أخرى بهذا الشعار، إلى أن ردد الباعة المتجولون في ميدان التحرير شعار "طول ما انت عاطل إنت باطل". وهو بات عنوانا لمرحلة ما بعد اعتصامات ميدان التحرير وتظاهراته ومليونياته.
قدم الكتاب دراسة معمقة في لسانيات الثورة المصرية، ووضع بين أيدي الباحثين في علوم اللغة وأدواتها مرجعا مهما وفريدا عن آليات التفاعل الحاصل بين المتكلمين من جهة، وقضايا الواقع التي يعيشونها من جهة أخرى. لكنه كتاب يتسم بنخبوية قد تجفل ناس الشارع منه، وهم الذين جرى الانطلاق مما قالوه، وأبدعته قرائحهم التواقة للتغيير واتجه إلى فئة محددة، بكثير من التقنيات المعرفية. وقد يبدو بعيدا عن أولئك الذين خرجوا إلى ميدان التحرير بحماسة وعفوية تجسدتا في معظم الأحيان ببساطة المنطوق وفكاهة الرسائل، وربما لم يدُر في مخيلتهم أن تكون كلماتهم الرنانة والبسيطة، لكن بالغة الفعالية، موضوع بحث معمق ومركز فجاء البحث أكثر تعقيدا من مضامينه. لكن يسجل للكاتب وللكتاب الريادة والتميز في قراءة عفوية هتافات الناس الذين امتلكوا سلاح السخرية لمواجهة العسف والظلم الذي لطالما واجهوه وعانوا منه.
الشعار، بحسب سراج، هو "تعبير دعائي وإعلامي مختصر ومثير للإعجاب، وهو متى اتصف بالكناية الجيدة، بات وسيلة تعبير جماهيرية متكاملة ومركزة. وهنا تكمن الوظيفة الأساسية للغة، الحاضن الأهم والناقل الطبيعي للشعار. منتجو الشعار ومروجوه هم في أغلبهم ناشطون في المجتمع المدني، ومناضلون وطلاب وعمال ومواطنون، أمثال "حركة شباب 6 أبريل" و"الألتراس" و"البلاك بلوك" وسواهم ممن تولوا بثّ الزخم المتواصل في الحراك السياسي، وواجهوا وجابهوا وقدموا شهداء، وفي نهاية المطاف انتصروا.
يتناول سراج بتحليل طويل دور الشعارات السياسية التحريضي والتعبوي، ويتوقف عند مركزية حثّها للكتلة الكبيرة من اللامبالين، أو الشريحة الواسعة لما صار يعرف بـ"حزب الكنبة" على التخلي عن الالتصاق بتلك الكنبة والمشاركة في التظاهر؛ خاصة بعد التحرشات المتتالية بالمشاركات في الاحتجاجات، وهكذا تردد في مسيرة "حراير مصر" هتاف بدلالة خاصة، في المجتمع المصري: "يا رجالة اقعدوا في بيوتكو.. بنات مصر حاتجيب حقوقكو".
لم ينضب معين المصريين، فكانوا يُدخلون التعديلات على الشعار بشكل متواصل ومتفاعل مع الحدث السياسي وتغيراته السريعة. فمثلا وعلى إثر محاولة تزييف الإرادة الشعبية وخداع الناس، من خلال تغيير تجميلي في واجهة النظام، لا بنيته وسياساته، ابتكر المصريون شعار "باطل". ولحقت تعديلات أخرى بهذا الشعار، إلى أن ردد الباعة المتجولون في ميدان التحرير شعار "طول ما انت عاطل إنت باطل". وهو بات عنوانا لمرحلة ما بعد اعتصامات ميدان التحرير وتظاهراته ومليونياته.
قدم الكتاب دراسة معمقة في لسانيات الثورة المصرية، ووضع بين أيدي الباحثين في علوم اللغة وأدواتها مرجعا مهما وفريدا عن آليات التفاعل الحاصل بين المتكلمين من جهة، وقضايا الواقع التي يعيشونها من جهة أخرى. لكنه كتاب يتسم بنخبوية قد تجفل ناس الشارع منه، وهم الذين جرى الانطلاق مما قالوه، وأبدعته قرائحهم التواقة للتغيير واتجه إلى فئة محددة، بكثير من التقنيات المعرفية. وقد يبدو بعيدا عن أولئك الذين خرجوا إلى ميدان التحرير بحماسة وعفوية تجسدتا في معظم الأحيان ببساطة المنطوق وفكاهة الرسائل، وربما لم يدُر في مخيلتهم أن تكون كلماتهم الرنانة والبسيطة، لكن بالغة الفعالية، موضوع بحث معمق ومركز فجاء البحث أكثر تعقيدا من مضامينه. لكن يسجل للكاتب وللكتاب الريادة والتميز في قراءة عفوية هتافات الناس الذين امتلكوا سلاح السخرية لمواجهة العسف والظلم الذي لطالما واجهوه وعانوا منه.