اليوم، في حياتنا التي يحتلّ العام الافتراضيّ حيّزاً كبيراً منها، لم يعد كثيرون يستغربون التعارف عن بعد أو عبر الإنترنت. شباب روسيا ليسوا استثناءً.
مذ أصبح الإنترنت جزءاً من الحياة اليومية، يتّجه ملايين الشبان والشابات في روسيا إلى تسجيل أنفسهم على مواقع وتطبيقات خاصة بالتعارف، بحثاً عن علاقة قد تكون سطحية لبضعة أشهر أو جادة لمدى الحياة. وفي حين يتوجّه الشبان الأكثر جرأة والشابات الأكثر انفتاحاً إلى التواصل في الحياة الواقعية، فإنّ تلك الافتراضية تزيد من فرص التعارف بين الشبان الخجولين وكذلك الشابات اللواتي لا يحيط بهنّ عدد كبير من الرجال إن في أماكن دراستهنّ أو عملهنّ.
والتعارف عبر الإنترنت بحسب شبان وشابات استطلعت "العربي الجديد" آراءهم، بات وسيلة عملية لا تختلف كثيراً عمّا هي الحال في الحياة "أوفلاين".
بعد فشل تجربتها مع رجل تعرّفت إليه في الحياة الواقعية، قرّرت أليفتينا (29 عاماً) تسجيل اسمها في إحدى مجموعات التعارف على شبكة "فكونتاكتي" الروسية للتواصل الاجتماعي. فتعرّفت إلى تيمور، ونشأت علاقة بينهما. وتسأل الشابة: "الناس يستخدمون الإنترنت في كل الشؤون، مثل الدراسة والمشتريات وحجز الفنادق وتذاكر الطيران. فلماذا لا نستخدمه للتعارف"؟ وعن الأسباب التي دفعتها لذلك، تقول: "كانت دراستي وعملي في وسط نسائيّ. كذلك، فإنّني جادة ولا أبتسم كثيراً، بالتالي لا يتشجّع كثيرون على التعرّف إليّ في الأماكن العامة. وهنا، الإنترنت وسيلة عملية جداً".
وتشير أليفتينا إلى أنّه بالإمكان معرفة الكثير عن شخص ما يراسلك، من خلال صفحته الإلكترونية. فالصور قد تفيد باهتماماته وبالأماكن التي يزورها والبلدان التي يسافر إليها. كذلك الأمر بالنسبة إلى أسلوبه في التواصل والأسئلة التي يطرحها وعزمه على إجراء اتصال هاتفي وتحديد موعد للمقابلة الشخصية". لم تتوّج محاولات الشابة الأولى بالنجاح، إذ لم يكن الشبان الذين تعرّفت إليهم على قدر كاف من الثقة في النفس. وتقول: "أحبّ الرجل الواثق من نفسه، لكنّ هؤلاء لم يكونوا كذلك. على الأرجح، هذا هو السبب الذي دفعهم إلى التعارف عبر الإنترنت".
في البداية، لم ينل تيمور إعجاب أليفتينا التي رأت أنّ تكون العلاقة بينهما مجرّد صداقة. لكنّ الأمر سرعان ما تغيّر، فتقول: "عرضت عليه أن نكون صديقين، فغضب وقام بمسح اسمي من قائمة الأصدقاء. وفي وقت لاحق، عاد ليتواصل معي. وفي لقائنا الثاني، أثار إعجابي كرجل".
إلى ذلك، ينتهي التعارف عبر الإنترنت في أحيان كثيرة، بإيجاد شريك الحياة وتكوين أسرة وإنجاب أولاد، وهو ما يؤكد إمكانية نجاح مثل هذه التجارب. ألكسي على سبيل المثال، مبرمج فشل في علاقته العاطفية بزميلته في العمل بعدما استمرت ثلاث سنوات. فقرّر وهو في السابعة والعشرين من عمره، البحث عن شريكة حياة عبر مواقع التعارف. تعرّف إلى يلينا وتزوّج منها وقد أنجبا ابنتَين توأمَين.
من جهة أخرى، يزيد التعارف عبر الإنترنت من فرص النساء المطلقات في البحث عن سعادة عائلية وبدء حياتهنّ الشخصية من جديد، لا سيما إن كان لديهنّ أولاد من الزواج الأول. إيرينا على سبيل المثال، امرأة روسية في منتصف الثلاثينيات من عمرها. انفصلت عن زوجها عندما كان ابنها في العاشرة، وقرّرت البحث عن شريك حياة ليساعدها الإنترنت في ذلك. تقول: "التقيت خلال تلك الفترة برجال كثيرين، لكنّهم كانوا يريدون علاقات سطحية وليس ارتباطاً، فقرّرت اللجوء إلى الإنترنت". وقد توّجت جهودها بزواجها من رجل ميسور الحال في الخمسينيات.
على الرغم من العدد الهائل للتجارب الناجحة، ما زال أشخاص كثيرون يشككون في فاعلية التعارف عبر الإنترنت ويفضّلون التواصل "واقعياً". رومان من هؤلاء، فيسأل: "لماذا أجلس أمام شاشة الحاسوب في المساء أو أثناء عطل نهاية الأسبوع؟ أفضّل الذهاب إلى حديقة عامة أو حانة للتعرّف إلى نساء والتواصل مباشرة معهنّ". يضيف: "يكفي التحدّث مع الشابة لبضع دقائق، حتى يحدّد كلّ منا إذا كان يرغب في لقاء آخر أم لا. أما أثناء التواصل عبر الإنترنت، فيتطلب الأمر مراسلات طويلة، نتائجها غير مضمونة".
تجدر الإشارة إلى أنّه وبالتزامن مع انتشار ظاهرة التعارف عبر الإنترنت، أوجدت عشرات المواقع باللغة الروسية. وتختلف خدمات هذه المواقع بين مجانية وأخرى لقاء رسوم بسيطة. ويشدّد المعنيّون على أنّ نجاح أو فشل تلك تجارب سواء في الحياة الافتراضية أو الواقعية، مرهون بالدرجة الأولى بقوة المشاعر والاحترام المتبادل، وقدرة الشخصَين على تقبّل أحدهما الآخر.