شركات أمن خاصة في مصر... لماذا؟

22 يوليو 2014

طلاب من جامعة الأزهر يتظاهرون (ديسمبر/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -


ذكر أحد المواقع الإلكترونية المهمة القريبة من النظام المصري، أخيراً، أن محافظة القاهرة، وتحديدا المنطقة الغربية فيها، تبحث الاستعانة بشركات أمن خاصة، من أجل فض اشتباكات محتملة بين باعة جائلين سيتم نقلهم إلى منطقة قرب ميدان رمسيس وسكان تلك المناطق. وهو ما يثير تساؤلات عدة، ليس لأن هذه الشركات بدعة، لم تعرفها مصر، وإنما بالنظر إلى توقيت الإعلان عنها من ناحية، وأسباب اللجوء إليها من ناحية ثانية، ومدى مساهمتها في تقوية السلطات الحاكمة، أو إضعافها، من ناحية ثالثة؟
والفرق بين شركات الأمن الخاصة والشركات العسكرية الخاصة، أن الأولى معنية، أساساً، بقضايا أمنية ذات مهام مدنية "تقوم بها الشرطة في الأغلب"، في حين يكون الدور الأساسي للثانية عسكرياً، يتمثل في دعم الأنظمة في مواجهة القوى التي تسعى لتقويضها، وغالباً ما يتم اللجوء إليها لتقوم بدور مكمل، أو مواز أو بديل للجيوش الوطنية الضعيفة، ولعل المثل البارز شركة بلاك ووتر في العراق، والنتائج الحاسمة للشركات البريطانية/الجنوب أفريقية في سيراليون وغيرها.
وبشأن مصر، فإن الشركات الأمنية موجودة منذ فترة، مثل شركة "كير سرفيس"، ويقتصر دورها على مهام محددة، مثل حراسة البنوك، وعمليات نقل أموال البنوك، وحراسة شخصيات مهمة، وقد استعانت حملة عبد الفتاح السيسي الانتخابية بإحدى الشركات المملوكة لرجال أعمال وشخصيات عسكرية كبيرة، لتأمين مقره الانتخابي. الجديد في الأمر، المهام التي ستلقى على عاتق هذه الشركات، وأبرزها فض الشغب بين المدنيين، وهي من أهم اختصاصات وزارة الداخلية. وهنا، يطرح السؤال نفسه: لماذا في مثل هذا التوقيت الذي تتباهى فيه "الداخلية" بقدرتها على فرض الأمن في الشارع، عبر تسيير قوات متنقلة، للمرة الأولى، تابعة للعمليات الخاصة، فضلاً عن نشرها جنود الدرك مرة أخرى في البلاد، من أجل تحقيق الأمن المنشود؟
ويمكن الاجتهاد بالتأشير إلى تفسيرات لهذا الأمر، أولها، وجود حالة من الإنهاك لوزارة الداخلية المصرية، بسبب المواجهات المستمرة منذ عام مع القوى الرافضة للانقلاب، والتي تنظم مسيرات شبه يومية، ذات انتشار رأسي وأفقي، ما يجعل أفراد الداخلية في حالة إنهاك مستمر. وثانيها، أن هذه الوزارة، وهي جزء من السلطة التنفيذية التي يقف على رأسها السيسي، لا ترغب في إضعاف شعبيتها بصورة أكبر لدى الباعة الجائلين الذين كانوا يوماً "باعة ميدان رمسيس" عوناً لها في مواجهة مظاهرات "الإخوان المسلمين" في أحداث

رمسيس الأولى، في يوليو/تموز 2013، ورمسيس الثانية، بعد فض ميداني رابعة والنهضة بيومين. ومن ثم، هي لا ترغب في الدخول في مواجهة صريحة مع أصدقاء الأمس الذين لم يجدوا سوى زيف الوعود بمستقبلٍ منشودٍ، بعد إطاحة حكم "الإخوان". وثالث التفسيرات رغبة النظام في رد الجميل لبعض قيادات الشرطة والجيش المتقاعدين، أو الموجودين في الخدمة، والذين يملكون أسهم هذه الشركات أو بعضها. والمعروف أن هذه الشركات تترأسها، في الأغلب، قيادات شرطية وعسكرية متقاعدة، أو في الخدمة. وتحصل على مبالغ مالية كبيرة، لكونها قطاعاً خاصاً تعمل في مجال المهام الأمنية ذات الخطورة العالية.
هنا يطرح السؤال: من سيدفع لهذه الشركات؟ الدولة في ظل سياسة التقشف ورفع الدعم الذي يتبناه السيسي، حتى قبل وصوله إلى الحكم. ثم، وهذا هو الأخطر، هل ستكون هذه الشركات عاملاً مساعداً للنظام، أم ستنال من قوته. وبالتالي، ربما تملي عليه شروطها لاحقاً، على غرار ما فعلته الشركات العسكرية في التعامل مع النظم الضعيفة. وماذا عن تعامل الشعب المصري معها، لا سيما إذا حدثت مواجهات مسلحة، إذ يفترض أن تسليح هذه الشركات، في الأغلب، يكون خفيفاً. ماذا لو ازدادت حدة المواجهات؟ ثم هل سيسمح لها بالحصول على الضبطية القضائية، وهذه من الحقوق الأصيلة للداخلية؟
فكرة الاستعانة بشركات الأمن الخاصة طرحها نوابٌ من "الإخوان" في مارس/آذار 2013، أي قبل إطاحة مرسي، بسبب ظرف واضح ومحدد، هو تقاعس الداخلية والأمن المركزي عن القيام بدورهم، حيث أعلنت في حينها معسكرات الأمن المركزي وأقسام الشرطة فى القاهرة والمحافظات إضرابها عن العمل، بسبب عدم تسليحها، لمواجهة اعتداءات القوى المعارضة المتمثلة في جبهة الإنقاذ لها؟ ومع ذلك، رأوا أن الأمر لا بد أن يعرض على مجلس الشورى، باعتباره المجلس الوحيد المنتخب، للبت فيه. أما هذه المرة، فوزارة الداخلية، بمعاونة الجيش، تتباهي بقدرتها على فرض السلم والأمن. وبالتالي، فإن الاستعانة بهذه الشركات، في مثل هذا التوقيت، تعني أحد التفسيرات المشار إليها آنفا، بل إنه يطرح سؤالاً جديداً، يتعلق برفض الاستعانة بالجيش، في مثل هذه المواقف الصعبة كما حدث، ولا يزال يحدث؟ هل لأن الجيش المصري، هو الآخر، لا يرغب في الانغماس في الشؤون الداخلية، على الرغم من انغماسه الفعلي فيها منذ ثورة يناير؟ وهل يتوقع أن يزداد دور هذه الشركات مع مرور الزمن، لتقوم ببعض المهام، بالنيابة عنه، وهنا، ننتقل من وضع شركات الأمن الخاصة إلى شركات التسليح الخاصة؟


 

B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.