شركاء الحرب يتسابقون على كهرباء سورية

28 يوليو 2015
بعد النفط والغاز..داعمو الأسد يستهدفون كهرباء سورية (أرشيف/Getty)
+ الخط -

يتسابق الشركاء الدوليون لنظام بشار الأسد في سورية، على حصد العقود وتأهيل بعض القطاعات التي هدمتها الحرب الدائرة في البلاد، منذ أكثر من أربع سنوات، لا سيما في قطاعات الطاقة.
ففي الأسبوع الماضي، ورّدت الصين 5 محولات كهربائية إلى سورية من أصل 12 محولاً عالياً، وذلك بعد صفقة مشابهة ورّدت بموجبها إيران، في مايو/أيار الماضي، 4 محطات تحويل متنقلة، فيما قال السفير الروسي في سورية، ألكسندر ينشاك، الخميس الماضي، إن بلاده ستمول بناء محطة طاقة حرارية "تشرين 3" في ريف العاصمة دمشق، بقيمة مليار دولار.

ويرى محللون أن قطاعي النفط والكهرباء هما الأكثر خسائر وإغراء في سورية، وهما ما يقايض عليهما بشار الأسد للحصول على قروض ومساعدات من شركائه الدوليين.
وقال نائب رئيس الحكومة السورية المعارضة، نادر عثمان: إن الدول الداعمة لنظام بشار الأسد تحاول أن تثبّت تواجدها على الأرض عبر عقود موثقة وصفقات قانونية "لتضمن استرداد أموالها التي مولت بها الأسد في معركته مع الثوار، مستغلة الوضع الدولي والأمم المتحدة التي تعترف ببشار الأسد رئيساً لسورية حتى اليوم".

ويتساءل عثمان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عمّا هو جديد، اليوم، حتى تدفع روسيا الاتحادية مليار دولار لبناء محطة حرارية في منطقة مشتعلة ومعرضة للقصف وسيطرة الثوار؟ ولماذا نرى التسابق على القطاعات الحيوية، على الرغم من عدم قدرة نظام الأسد على حمايتها وعدم سيطرته على الأرض؟

وأضاف: "أعتقد أن تلك الدول، وأولها إيران وروسيا، إنما تحاول التأسيس للمستقبل عبر الاقتصاد، بعد التأكد من استحالة السيطرة عسكرياً، لقناعتها بأن بشار الأسد ساقط ولو بعد حين".

ويتفق سوريون على أن قطاعات الطاقة هي الأكثر تخريباً والأشهى استثمارياً في الفترة المقبلة، بعد استعادة مواقعها "وسط وشمال شرق سورية" من تنظيم "داعش" الذي يسيطر، إلى جانب قوات حماية الشعب الكردية، على 90% من حقول النفط والغاز السورية، كما أن الكهرباء من أكثر القطاعات تضرراً خلال الحرب.

وقدر المهندس عبد الجليل صالح الأضرار المباشرة التي لحقت بقطاع الكهرباء منذ بداية الحرب، وحتى منتصف العام الجاري بنحو 345 مليار ليرة توزعت على المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء ومؤسسة النقل، فضلاً عن خسائر طاولت بعض الشبكات والمحولات، لم تتمكن الوزارة من حصرها لوقوعها في مناطق غير آمنة.

ويضيف المهندس الكهربائي صالح لـ"العربي الجديد" أن خروج نحو 100 محطة عن العمل أدى إلى خفض إنتاج الكهرباء في سورية بنحو النصف، ما زاد من ساعات التقنين (انقطاع الكهرباء) نحو 20 ساعة في معظم المحافظات السورية، والبحث عن بدائل، في واقع نقص مادتي الفيول والغاز بعد سيطرة الثوار وتنظيم "داعش" على مواقع الإنتاج...فكان مد اليد لإيران لترسل إلى سورية محطات نقالة وشراء محولات من الصين لتركيبها في دمشق ومدن الساحل السوري، حيث وصل تقنين الكهرباء في اللاذقية (غرب) مسقط رأس بشار الأسد إلى نحو 15 ساعة من انقطاع التيار الكهربائي يومياً".

وقالت مصادر في وزارة الكهرباء السورية، إن كمية الطاقة الكهربائية المنتجة في سورية تراجع نحو 56%، ففي عام 2011 بلغت نحو 50 مليار كيلوواط، في حين انخفض حجم الإنتاج العام الماضي إلى 22 مليار كيلوواط، كما خرجت عن الخدمة بشكل كامل نحو 100 محولة من أصل 900 محولة معظمها تعرضت لأضرار، وبلغ عدد الخطوط الخارجة عن الخدمة 176 خطاً من أصل 666 خطاً.

وكشفت المصادر أن مجمل الأضرار غير المباشرة، التي لحقت بالاقتصاد السوري جراء انقطاع التيار الكهربائي بلغت نحو 1500 مليار ليرة منذ بداية الأزمة، "حيث انعكس قطع التيار الكهربائي ورفع أسعار الكهرباء، الشهر الماضي، من 22 إلى 33 ليرة، على كميات الإنتاج والتكاليف في قطاعات الصحة والصناعة والزراعة في واقع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية إلى الضعف خلال الحرب".

وكانت خطوط الغاز في منطقة الزارة في ريف حمص وخط الغاز في البيطرية، الذي يغذي محطة تشرين الحرارية في ريف دمشق وخط غاز المنطقة الجنوبية، وأخيراً "السبت "، معمل غاز جنوب المنطقة الوسطى، قد تعرضت خلال الثورة لحرائق واستهدافات عدة، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في بعض المناطق وانقطاع إمدادات الغاز عن محطات توليد الكهرباء، خصوصاً في ريف دمشق.

وتقول مصادر، إن استهداف خطوط الغاز قلل من إنتاج الكهرباء، وأدى إلى زيادة ساعات التقنين التي تصل نحو 20 ساعة يومياً في معظم المدن السورية.

اقرأ أيضاً: الحلفاء يبيّضون ذهباً لإيران

وقال وزير الكهرباء السوري، عماد خميس، في جلسة استجوابية في مجلس الشعب (البرلمان السوري)، الأربعاء الماضي، إن "سبب التقنين الطويل هو نقص الفيول والغاز، وحيث يبدو تأمينه من مهام الحكومة عبر وزارة النفط، فإنّه قد يكون من المفيد أن نعلم أنّه لخفض ساعات التقنين، فإنّ سد الثغرة في انقطاع التيار الكهربائي يستلزم استيراد نحو 18 ألف طن فيول يومياً بتكلفة قدرها 7.5 ملايين دولار".

وأضاف أن الوزارة تعمل جاهدة لتقليل ساعات التقنين لتصبح مقبولة، لأن حاجة سورية من الطاقة الكهربائية تبلغ نحو 9 آلاف ميغاواط، ومقدار ما تنتجه جميع محطات التوليدن حالياً، يتوقف على توافر مادتي الفيول والغاز، مؤكدا أن جميع مكونات المنظومة الكهربائية من محطات توليد وتحويل وخطوط توتر عال وشبكات توزيع "في جاهزية عالية لكن مشكلة نقص الكهرباء مرتبطة بقلة الوقود اللازم لتشغيل محطات التوليد".

وحول العقود الخارجية لإيران وروسيا، قال المسؤول السوري، إن الوزارة ماضية في إنجاز مشاريعها المستقبلية للحفاظ على المنظومة الكهربائية وتوسيعها من خلال 6 محطات تحويل قيد الإنشاء ومحطتي توليد وخطوط توتر عال على الرغم من التحديات وظروف الحظر الاقتصادي المفروض على الشعب السوري و"انخفاض إيرادات الجباية" وخروج الطاقة الكهربائية المنتجة من عنفات السدود المائية من الخدمة.

وأشار الوزير خميس إلى أن تكلفة إنتاج كيلو واط في الساعة لفائدة المنازل تبلغ نحو 40 ليرة سورية، ويباع للمستهلك بليرة واحدة، موضحاً أن 85% من احتياجات قطاع الكهرباء قبل الأزمة، كان يؤمن من إنتاج النفط المحلي وإن الاعتداءات المستمرة على خطوط نقل الوقود أدت إلى زيادة "غير مسبوقة" في ساعات التقنين.

ويحاول نظام بشار الأسد، إضافة إلى إبرام عقود مع روسيا والاتفاقات التي وقعها مع إيران للاستثمار في قطاعي الكهرباء والنفط، أن يفتح باب الاستثمار المحلي في قطاع الكهرباء الذي كان حكراً على الدولة، وهو ما اعتبره محللون إشارة على انطلاق خصخصة عدد من القطاعات الحيوية بهدف تمويل الحرب.

وكانت المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء قد أعلنت، سابقاً، عن طلب عروض عالمي لإقامة محطات ريحية من المستثمرين في موقعي قطينة بريف حمص (وسط) وغباغب بريف مدينة درعا (جنوب)، بحيث يتم إنشاء مزرعة ريحية في كل موقع باستطاعة 50 ميغاواتاً.

وأكد مدير عام المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء في سورية، محمد العبدالله، أن المؤسسة دعت رجال الأعمال الراغبين في المشاركة إلى تقديم عروضهم لدراستها واختيار أفضلها.

وأشار العبدالله، في تصريحات صحافية، إلى أن مؤسسة النقل تلتزم بشراء الطاقة المنتجة من هذه المزارع بأسعار متفق عليها بين الطرفين، لافتا إلى أنه سيتم بيع الكهرباء للمشتركين وفق التعرفة المعتمدة وأن وزارة الكهرباء اتخذت الإجراءات اللازمة لتأمين بيئة ملائمة لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار والمساهمة في التنمية الاقتصادية".

واعتبر أن الاستثمار في مجال الكهرباء سيخفف عبئاً كبيراً عن الدولة والمواطن، لأن القطاع الخاص سيقوم ببناء المحطات واستثمارها على أن تقوم مؤسسة النقل بشراء كامل إنتاج الطاقة الكهربائية، ويمكن للمستثمر أن يبيع المشتركين الرئيسيين، كما أن الاستثمار سيتيح تأمين الكهرباء للصناعيين وللمواطنين بفرص أكبر من المتاحة، حالياً، ولن يؤثر ذلك على التعرفة الكهربائية، لأن سياسة الدعم منفصلة، تماماً، عن مشاركة القطاع الخاص.

غير أن المهندس عبد الجليل صالح، الذي اعتبر ما يجري خصخصة لقطاع الكهرباء، قال إنه لم تأت أي عقود عدا من إيران، وتحديدا شركة مبنى الإيرانية لتقديم قطع تبديلية للمجموعات الغازية في محطة السويدية بقيمة 500 مليون ليرة، وعقد في مجال محطات التوليد، والتي تشمل مشروع توسع محطة تشرين الحرارية باستطاعة 450 ميغاواطاً ومشروع توسيع محطة جندر باستطاعة 450 ميغاواطاً ومشروع توسيع محطة السويدية باستطاعة 450 ميغاواطاً. وما يقال عن بناء روسيا محطة تشرين 3 الحرارية، حتى الآن على الرغم من إعادة طرح المشاريع وتضمين استثمار الكهرباء في قانون التشاركية الذي صدر، أخيراً، كتعديل لقانون 32 الصادر عام 2010.

اقرأ أيضاً: عقود إيران مع سورية مهددة بعد سقوط الأسد
المساهمون