ينذر بدء المدعي العام السويدي، مارتن تيدين، الأسبوع الماضي، التحقيق مع مدير شرطة منطقة فيسترنوردلاند بتهمة "نشر العنصرية والكراهية"، بعودة مثل هذه المخاوف إلى البلاد.
جاء الكشف، في 28 مارس/آذار الماضي، عن قيام مدير الشرطة في فيسترنوردلاند، شمال العاصمة السويدية استوكهولم، بنشر "عبارات تحضّ على الكراهية والعنصرية" على مواقع التواصل الاجتماعي، ليثير مجدداً الجدل حول "انتشار ظاهرة العنصرية بين أفراد الشرطة السويدية". ويأتي التحقيق مع هذا المسؤول (55 عاماً) بعد سنوات من إقدامه على نشر الكراهية ضد الأجانب على صفحته في "فيسبوك"، بعبارات واضحة أحياناً ومستترة في أحيان أخرى، وذلك عقب تقديم رجال شرطة شكاوى من "عنصرية المدير".
لم يتردد مدير الشرطة، الذي رقّي قبل فترة قريبة، في مشاركة صفحات بريطانية متشددة على صفحته الخاصة، مثل صفحة "بريطانيا أولاً" التي تشتم وتتهم بكلمات نابية المسلمين والمهاجرين من الشرق الأوسط. كذلك، علق حول قضية رشيد موسى، وهو شاب يتزعم منظمة "الشباب المسلم" في السويد، أنّه "يجب أن يتحول إلى 70 كيلوغراماً من طعام الكلاب وبدلة غطس"، ما اعتبر إشارة إلى رغبته في طرد اللاجئين وإرسالهم سباحة. وهناك تعليقات كثيرة تحمل وصفاً لأنواع رصاص المسدسات، قرأها البعض كتحريض على الشباب من أصول مهاجرة في منطقة مالمو، إذ "شهدت المدينة مقتل عدد من الأشخاص بحرب داخلية بين عصابات"، بحسب الصحف السويدية في تعقيبها على وصول قضية هذا الشرطي إلى طاولة الادعاء السويدي.
وبحسب ما صدر عن "وحدة الادعاء الخاصة في الشرطة السويدية" (والتي ترتبط عادة بمخالفات رجال الشرطة للأنظمة واللوائح)، والمدعي العام، مارتن تيدن، فإنّ هذه القضية ستكون موضع "فحص شامل بكلّ تفاصيلها" من دون تحديد سقف زمني أو حدود. وبحسب ما رشح عن "وحدة الادعاء الخاصة"، فإنّ "الشرطة تأخذ هذه القضية على محمل الجد، وتعتبرها خطيرة جداً، خصوصاً أنها صادرة عن مدير شرطة".
وكانت هذه القضية، التي كشف عن بعض تفاصيلها في نهاية مارس/آذار الماضي، دفعت نقابة الشرطة السويدية إلى الإدلاء بتصريح مقتضب يطلب من الرجال والنساء في الخدمة "توخّي الحذر في اختيار عباراتهم أثناء التعبير عن أنفسهم". لكن، يبدو أنّ حجم انتشار الآراء العنصرية والتحريض بين بعض رجال الشرطة يدفع اليوم قيادتهم والادعاء العام إلى التدخل بقوة.
ينتظر كثيرون ما ستسفر عنه هذه التحقيقات، ومن بين هؤلاء منظمات حقوقية وجمعيات مهاجرين، بسبب "القضايا الأخرى التي تحمل تحت مبرر حرية التعبير كثيراً من المضامين العنصرية والتحريضية على السويديين من أصول مهاجرة".
في مدينة مالمو، بضواحيها التي تضم مهاجرين، وشبابا من أصول مهاجرة، ترتفع شكاوى "الاستفزاز والتفتيش العشوائي" بحسب ما يذكر بعضهم لـ"العربي الجديد". بالنسبة للشاب حسام، فإنّ "زيادة عمليات تبادل إطلاق النار أدت إلى أن يشعر جميع الشباب، بمن فيهم الذين لا علاقة لهم، بكثير من الشك والتوجس في العلاقة مع الشرطة".
منذ أعوام وبعض ممارسات أفراد من الشرطة السويدية تطاولها "اتهامات بالتمييز"، وأحياناً بـ"العنصرية" صراحة. ومع تزايد أعداد اللاجئين، في مختلف التجمعات في مدن جنوب غرب السويد، تعود الشكاوى من "انحدار مستويات الثقة"، فالشرطة عموماً تتفق مع الشباب وقوى المجتمع المدني في رفض "أن يجري تشويه العلاقة والثقة بين المواطنين والمؤسسة المنوط بها الحفاظ على أمن المجتمع"، بحسب مديرة اللجنة التأديبية في قطاع شمال السويد، ايفا هولمبيرغ، كتعقيب على القضية الأخيرة، باعتبارها "خطيرة جداً وننظر إليها باعتبارها تهديداً" في إشارتها إلى ما كتبه مدير الشرطة ضد رشيد موسى.
من جهته، يعتبر رئيس نقابة الشرطة، مانوس نيسمارك، أنّ "التحقيق أمر إيجابي بعد تزايد الشكاوى بحقه (مدير الشرطة) خصوصاً لتوضيح ما يستطيع أو ما لا يستطيع الشرطي التعبير عنه في حياته الخاصة". وبحسب قانون العقوبات السويدي، فإنّ "نشر التهديدات أو التعبير المهين لمجموعة بشرية، بسبب شكلها ولونها وقوميتها أو أصلها العرقي أو معتقداتها الدينية أو الجنسية، يمكن اعتباره جريمة كراهية، قد تصل بمرتكبها إلى السجن لعامين كأقصى حد، أو مخالفة إن لم تكن الجريمة كبيرة". كذلك، أخذ رجال الشرطة، من زملاء هذا المدير، تلك التعبيرات على محمل الجد بسبب "انعكاساتها السلبية والخطيرة على عموم الشرطة السويدية" بحسب نيسمارك.
ليست الشكوى من انتشار "العنصرية" بين أفراد من الشرطة السويدية حديثة، ففي عام 2009 اشتهرت قضية "روسنغورد"، بضواحي مالمو، إذ جرى تسجيل مقطع فيديو لنقاش بين شرطيين، من دون أن يعرفا أنّ الكاميرا تسجل، تضمّن عبارات وُصفت بـ"القذرة" بحق أطفال مهاجرين (في فترة شهدت المدينة مصادمات وحرائق سيارات).
تدخلت وزير العدل في ذلك الحين ومدير الشرطة بعد ضجة كبيرة في المجتمع السويدي، واعتبار ما يدور في صفوف الشرطة من انتشار للعنصرية بمثابة "فضيحة". لكن لم تمضِ سنوات قليلة حتى انفجرت مرات عديدة فضائح موصوفة بـ"العنصرية والتحريض على الكراهية"، ما يجعل التشنج وغياب الثقة في مناطق يقطنها مهاجرون، هو الذي يحكم العلاقة حتى اليوم ما بين الشرطة وشباب تلك الضواحي على وجه الخصوص. والمثير أيضاً أنّ هناك من المواطنين السويديين من يدعمون أفراد الشرطة إذا رفعت شكاوى من هذا النوع ضدهم.