بدأت أمس الأربعاء في العاصمة المصرية القاهرة الاجتماعات التحضيرية لمنتدى غاز شرق المتوسط، حيث يعقد اليوم الخميس الاجتماع الثاني على المستوى الوزاري للمنتدى، بمشاركة وزراء البترول والطاقة في دول المنتدى الرئيسية، وهي مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة التي يمثلها وزير الطاقة ريك بيري. ويحضر عن الاتحاد الأوروبي ممثل للمفوضية الأوروبية لشؤون الطاقة والمناخ.
وتتضاعف أهمية هذا الاجتماع بالنسبة للاجتماعات السابقة التي عقدت في كريت والقاهرة في نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي، في ظل مستجدين أساسيين يتعلقان بأنقرة في الأساس، أولهما إصرار تركيا وتأكيد رئيسها رجب طيب أردوغان أن بلاده ستستأنف التنقيب عن الغاز في المنطقة التي تعتبرها قبرص جزءاً من منطقتها الاقتصادية وداخل حدودها البحرية، وتلويحه باستخدام القوة في مواجهة قبرص وحلفائها، وإعلان أنقرة استمرار التنقيب بواسطة شركة "توركيش بتروليوم" الحكومية، التي تملك امتياز تلك المنطقة من وجهة النظر التركية منذ 10 سنوات، رغم تكرار التحذيرات الصادرة من واشنطن والدول الأوروبية في هذا الشأن.
أما المستجد الثاني فهو حضور ممثل رفيع المستوى للولايات المتحدة الأميركية، في خطوة تعكس رغبة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المضي قدماً في اتخاذ خطوات تنفيذية لتطوير مشروع القانون المتداول حالياً في الكونغرس، باسم "قانون شراكة الطاقة والأمن في شرق المتوسط"، الذي أعده النواب روبرت مينديز وماركو روبيو وكريس فان هولين وغاري بيترز وكريس كونز، ويحظى بدعم واسع من الدوائر اليهودية وذات الأصول اليونانية بالحزبين الديمقراطي والجمهوري. ويهدف مشروع القانون لإنشاء مركز أميركي للطاقة في المنطقة، ووضع خطة متكاملة لتدشين تعاون استراتيجي مع ثلاث دول رئيسية، هي اليونان وقبرص وإسرائيل، للدفاع عن مصالحها المشتركة في مواجهة تركيا. كما يهدف إلى التضييق على أنقرة في ما يتعلق باستكشاف حقول الغاز الطبيعي بحجة "معاقبتها على تعدد مصادر شراء السلاح الخاص بها، واستخدام الأسلحة الأميركية في ترويع وتهديد قبرص".
وحصلت "العربي الجديد" على أحدث نسخة من مشروع القانون، مؤرخة في 10 يوليو/ تموز الحالي. ومن أهم بنوده الرامية إلى "تقليم أظافر تركيا"، ضرورة وقف بيع طائرات "أف 35" إلى تركيا إذا استمرت في شراء منظومة "إس 400" من روسيا، وتطبيق العقوبات المقررة في القانون الأميركي عليها، والعمل على إزالة الوجود التركي العسكري من منطقة قبرص التركية غير المعترف بها دولياً إلا من قبل تركيا، والذي يقدره واضعو المشروع بنحو 40 ألف جندي يستخدمون أسلحة متعددة، من بينها أميركي الصنع، وربط إنهاء وقف بيع الطائرات بأن يقر رئيس الولايات المتحدة خطياً للكونغرس بأن تركيا لا تخطط ولا تنوي تسلم نظم الدفاع الجوي الروسية.
وفي المقابل، ينص مشروع القانون على إنشاء مركز للطاقة لصالح الولايات المتحدة بالتعاون مع قبرص واليونان وإسرائيل، التي يصفها المشروع بالدول الحليفة، وذلك بالتنسيق بين وزيري الخارجية والطاقة في الإدارة الأميركية، وبالتعاون بين جميع مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، وفتح باب الشراكة للمؤسسات والقطاع الخاص الناشط في مجال الطاقة البحرية، وتأسيس أو استغلال جامعة متخصصة في هندسة البترول بإحدى الدول الثلاث الحليفة، لتدشين تعاون علمي وبحثي في مجال تكنولوجيا الطاقة والغاز الطبيعي وهندسة التعدين وعلوم المياه والبرمجيات. ويتضمن مشروع القانون أيضاً تمويل رفع كفاءة البنية التحتية لقبرص واليونان في مجال التعدين وطاقة البحار، وتمويل برامج التعليم والتدريب العسكري الدولي لليونان وقبرص حتى العام 2022، وإتاحة الفرصة لمنح اليونان 3 مليارات دولار كمساعدة في تحسين وسائل الدفاع، ودعم شبكات إيصال الغاز بين الدول الثلاث، بإشراف الولايات المتحدة الأميركية، بهدف تسهيل إيصال الغاز غير الروسي إلى وسط وغرب أوروبا. وتعتبر محاربة النفوذ الروسي الاقتصادي في تلك المنطقة من الأهداف الرئيسية للمشروع، ويعبر عنها بوضوح الباب الحادي عشر منه، والذي يلزم وزير الخارجية بتقديم تقرير إلى الكونغرس بعد 90 يوماً من إقرار القانون بالآثار "الضارة" للوجود والتأثير الروسي في هذه المنطقة على الاقتصاد الأميركي، وطبيعة المشاريع الروسية المتصلة، أو المتمركزة في منطقة شرق المتوسط، وقائمة الملكيات الروسية لوسائل الإعلام في الدول الثلاث، ومدى التوغل العسكري الروسي في المنطقة بعد الحرب السورية. ورغم ارتباط المشروع في الأساس بحلفاء مصر الاستراتيجيين في المنطقة، إلّا أنه لا يذكرها من قريب ولا من بعيد إلّا في موضع واحد، بالإشارة إلى ازدياد أهمية المنطقة على المستوى الاقتصادي، بعد تعدد الكشوف الكبرى في المنطقة الاقتصادية المصرية، ودخول القاهرة في شراكة مع الدول الثلاث في مجال الاستكشاف والإسالة والتداول.
وتطمح دول المنتدى إلى توسيع شبكة الأنابيب المقامة بين مصر وإسرائيل، والمملوكة حالياً لشركة جديدة أسست خصيصاً لامتلاك شبكة الأنابيب، بين شركتي "نوبل إينرجي" الأميركية و"ديليك" الإسرائيلية" وشركة "غاز الشرق" المملوكة حالياً للدولة، ممثلة في جهاز المخابرات العامة وهيئة البترول. وسيتم توسيع الشبكة لتشمل قبرص، بهدف الاستفادة من مصنعي إسالة الغاز في مصر، واللذين ستستفيد منهما إسرائيل أيضاً. وهذه الخطط الطموحة يراهن عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي لتعويض الخسائر المالية المتوالية التي يتكبدها الاقتصاد المصري جراء تعاظم فوائد القروض وبيع الديون.
ويعكس انضمام الولايات المتحدة إلى اجتماعات المنتدى رغبة مشتركة في تطوير أعماله، لتلتقي عند نقطة مصلحة جماعية مع المشروع الأميركي الخاص بمركز الطاقة، والذي كان يُنظر له يوماً، في الدوائر الأميركية، على أنه "قد يكون منافساً للمنتدى". لكن اجتماع دول المنتدى مع واشنطن على هدف العصف بالطموحات التركية "يبدو سبباً وجيهاً لتطوير المشروعين معاً، ولا سيما أن السيسي لا يجد غضاضة في الانضمام إلى الشراكة الأميركية المرتقبة"، بحسب مصادر دبلوماسية مصرية. وأوضحت المصادر أن تركيا لا تخشى فقط مباشرة التنقيب عن الغاز، بل تخشى أيضاً إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب، وتنمية الموارد وترشيد كلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، وتحسين العلاقات التجارية بين أعضاء المنتدى والشركات الأميركية والأوروبية الكبرى، ما يؤثر بالسلب على الاقتصاد التركي. وأسباب التخوف هي نفسها الأهداف التي ترنو إليها واشنطن وحليفاتها.
وذكرت المصادر أن أميركا تحاول أيضاً من خلال التداخل في هذا المنتدى تنمية وتطوير كفاءات وأعمال شركاتها في هذا المجال، فهناك تراجع أميركي ملحوظ في قطاع الطاقة الدولية ومشاريع إنشاء شبكات الغاز ووحدات الإسالة لصالح الشركات الإيطالية والهولندية والفرنسية والبريطانية والإسبانية والروسية والألمانية. واستطاعت شركات كثيرة تنتمي لتلك الدول، من خلال التحالف مع بعضها أو صفقات الاستحواذ، الاستفادة من الخبرات المختلفة في كل منها وتطويرها معاً، وهو ما أصاب نظيراتها الأميركية بالعزلة والتأخر التقني وضعف حجم الأعمال. ويرى بعض النواب، واضعي مشروع القانون، أن الشراكة ستعزز الإمكانيات والعوائد. وأضافت المصادر الدبلوماسية المصرية أنه بالنسبة إلى قبرص واليونان فإن ضم الولايات المتحدة لمنتدى شرق المتوسط، أو تطويره ليصبح مكملاً لمشروع المركز الأميركي للطاقة، "هو الخيار الأفضل بكل تأكيد"، نظراً لحجم الاستثمارات والمساعدات التي يمكن للدولتين الحصول عليها من واشنطن، ولا سيما أن الاتحاد الأوروبي، ورغم مساندته العلنية للمنتدى، لم يعد بتقديم دعم يذكر ولا يمكن تصور أن تضخ دول، كإيطاليا أو فرنسا، استثمارات معتبرة لمساعدة المنتدى دون الوثوق بتعظيم عوائد الشركات الكبرى، مثل "إيني" و"توتال"، على الترتيب.
غير أن العقدة تكمن في مدى واقعية تكامل هذا العمل التشاركي مع مصر، التي تقدم نفسها كواحدة من الدول المؤسسة للمنتدى، لكنها في الوقت ذاته تواجه ضغوطاً قريبة الشبه، وإن كانت أخف، من قبل واشنطن لوقف استيراد الأسلحة الروسية. وترفض الولايات المتحدة، من حيث المبدأ، شراء دول، كمصر وتركيا والهند، أسلحة روسية، وتحديدا طائرات "سوخوي 35" التي تعاقدت القاهرة، نهاية العام الماضي، مع موسكو رسمياً لشراء 20 منها بين 2021 و2022 مقابل مليارين وربع المليار دولار. كما أن السيسي حريص على إقامة علاقات وطيدة مع موسكو والتنسيق معها، حتى بدرجة تفوق واشنطن أحياناً، في العديد من الملفات الإقليمية، وهو ما سيضعه في "مأزق حقيقي"، بتعبير المصادر، التي توضح أن "من مصلحة مصر الإبقاء على شعرة تفصل المشروع الإقليمي والمشروع الأميركي للحفاظ على فرصها الكاملة في تطوير العلاقات مع كل من واشنطن وموسكو دون التضحية بأي منهما". وقد تكمن ملامح حل هذه المعضلة في التسوية التي تروج لها إدارة ترامب للقضية الفلسطينية تحت مسمى "صفقة القرن"، والتي تشمل ضمن البنود الأساسية لشقها الاقتصادي تخصيص مليار و500 مليون دولار لدعم الجهود المصرية المشتركة مع الإسرائيليين لإنشاء مركز إقليمي كبير للغاز الطبيعي في مصر، وتوظيف الإنتاج الكبير من الحقول المصرية وتحسين جودة شبكات نقل الغاز والغاز المسال، وذلك على مدار 5 سنوات.
وكانت الاتصالات قد بدأت لإنشاء منتدى غاز شرق المتوسط في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، بين مصر وقبرص واليونان. وكانت "العربي الجديد" أول وسيلة إعلامية نشرت معلومات عن انضمام إسرائيل لهذا المنتدى، مع استبعاد تركيا ولبنان وسورية. وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، أصدر وزراء الطاقة للدول الأعضاء بياناً أكد هدف المنتدى إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب، وتنمية الموارد على الوجه الأمثل وترشيد كلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، وتحسين العلاقات التجارية، ودعم الأعضاء أصحاب الاحتياطيات الغازية والمنتجين الحاليين في المنطقة في جهودهم الرامية إلى الاستفادة من احتياطاتهم الحالية والمستقبلية، من خلال تعزيز التعاون في ما بينهم ومع أطراف الاستهلاك والعبور في المنطقة، والاستفادة من البنية التحتية الحالية، لاستيعاب الاكتشافات الحالية والمستقبلية، مع اتخاذ القاهرة مقراً دائماً للمنتدى، وأنه سيكون مفتوحاً لانضمام أي من دول المنطقة المنتجة أو المستهلكة للغاز أو دول العبور ممن يتفقون مع المنتدى في المصالح والأهداف الانضمام لعضويته لاحقاً، وإتاحة انضمام دول ومنظمات إقليمية أو دولية أخرى بصفة مراقبين.