شراكات جديدة للاتحاد الأوروبي للحدّ من تدفق اللاجئين

27 يونيو 2016
تظاهرة في برشلونة الإسبانية تدعو لاستقبال اللاجئين (ميكيل لوب/Getty)
+ الخط -
يعتزم الاتحاد الأوروبي رفع مستوى التعاون مع عدد كبير من الدول الآسيوية والأفريقية، بهدف إنشاء شراكات جديدة، ومن المقرر أن تشمل تسع دول، تُعرف بأنها من البلاد المصدّرة للاجئين أو لعبورهم. وترتكز الخطة على إيجاد نوع من الشراكة الكاملة والمستدامة، حسبما بيّنت التقارير والتصريحات الصادرة عن مسؤولين في مفوضية الاتحاد الأوروبي، التي من شأنها أن تؤدي إلى إعادة العمل بصيغ جديدة لاستيعاب اللاجئين الموجودين، وتوزيعهم بطريقة تسمح بتفادي الأخطاء التي وقعت فيها دول الاتحاد سابقاً، كما وتحسين إدارة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، التي من المؤكد أنها ستكون في صلب مناقشات قمة الدول الأعضاء في الاتحاد، نهاية الشهر الحالي في العاصمة البلجيكية بروكسل.

وسترتكز الخطة على مساعدة الدول الفقيرة ومكافحة أسباب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، مع اعتماد ركائز النموذج المعتمد مع تركيا، إضافة لبعض التعديلات بما يتلاءم مع خصوصية تلك البلدان. أي أن كل دولة ستخضع لاتفاقية معيّنة، تتضمّن عدداً من النقاط، منها تقديم الحوافز وزيادة المساعدات المالية من قبل الاتحاد الأوروبي وتطوير العلاقات التجارية، مع اعتماد مبدأ "فرض القيود على الدول التي لا تلتزم بنصّ الاتفاقية، بما فيها العقوبات التجارية".

وكان المفوض الأوروبي لشؤون الهجرة ديمتريس أفراموبولوس، قد أوضح في حديثٍ لصحيفة "دي فيلت" أخيراً، عن عدد الدول التي ستشملها الخطة، وهي لبنان والأردن وتونس ومالي والنيجر والسنغال وإثيوبيا ونيجيريا وليبيا. وتوقع أن "يُصار إلى ضمّ دول أخرى في المستقبل".

وهو ما لفتت إليه أيضاً المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، خلال مشاركتها الأسبوع الماضي، في مؤتمر الشركات العائلية في العاصمة الألمانية برلين، قائلة إنه "مع تفاقم الأوضاع في دول الجوار الواقعة على الحدود الخارجية لمنطقة شينغن، بات من الضروري أن تزيد أوروبا اهتمامها في تلك المناطق، وإبرام الاتفاقيات بشأن اللاجئين بغرض توزيع الأعباء، وقطع الطريق على المهربين".





ومن المقرر أن يُصار إلى الأخذ بالمقترحات وإنجاز الخطة في وقت قريب، لتكون فاعلة ومنتجة لتحقيق الجدوى الاقتصادية منها بطريقة مرنة وسريعة. وتشير التقارير إلى أنه ستموّل شراكات الهجرة بين عامي 2016 و2020، بمبلغ 8 مليارات يورو، كما أنه من المرجّح أن تعمد المفوضية في خريف العام الحالي إلى الاستعانة بخطة استثمارية شاملة، يمكن أن تصل قيمتها إلى 31 مليار يورو، بينها 3.1 مليارات يورو قبل عام 2020. وإذا ما وافقت الدول الأعضاء والشركات الاقتصادية والمعنيون بالاستثمارات الخاصة، فليس من الصعب أن تصل قيمة الاستثمارات إلى 62 مليار يورو.

في المقابل، شكك عدد من المتابعين لشؤون اللاجئين بالأرقام وإمكانية التنفيذ، لا سيما أن معظم الوعود والخطط التي تُطلق، تبقى حبراً على ورق، سائلين عن مصير عملية الخرطوم التي وافقت عليها 58 دولة أوروبية وأفريقية في عام 2014، وعن إعلان (العاصمة المالطية) فاليتا (نوفمبر/تشرين الثاني الماضي) الذي هدف أيضاً للحدّ من تدفق اللاجئين. ويشير المتابعون إلى أن "هذه الدول بدأت ترفض المهاجرين لأسباب اقتصادية، وهي تتنازل الآن عن قيمها المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان، وتتوجه لإبرام اتفاقيات مع حكام طغاة".

مع العلم أن الأوروبيين يتمسكون بحجة رفضهم فكرة مغادرة اللاجئين بلدانهم، وإفراغها من أبنائها وشبابها، وعدم تحفيزهم على البقاء ودعم القطاعات التي تساهم في تحقيق الأمن والعدالة الاجتماعية للمواطن، رغم علمهم أن هناك حكاماً وقادة جيوش متواطئة مع مافيات التهريب وتسهل عملهم، كما أن بعض السياسيين يستفيدون بطريقة أو بأخرى من تحويلات المهاجرين.

ويبدو واضحاً أن مساعدة هذه الدول في مكافحة ظاهرة المهربين غير الشرعيين، وتأمين حدودها على نحو فعّال، ستستند إلى معطى يرتكز على إيجاد إطار قانوني يسمح بوصولهم بطريقة شرعية وآمنة ومباشرة إلى أوروبا، تحديداً من هم على درجة عالية من الكفاءة بمنحهم تصاريح للعمل والإقامة.

في هذا الإطار، سيُصار إلى تيسير شروط القبول للحصول على "البطاقة الزرقاء"، وجعلها أكثر جاذبية ومرونة، للمساعدة في استقطاب عقود العمل التي تمتد لأكثر من ستة أشهر، كونه يتعيّن على القارة الأوروبية، بفعل الاتجاهات الديموغرافية، في السنوات المقبلة، الاستعانة بأصحاب الكفاءات من حول العالم، من أجل زيادة الازدهار والانتاجية في أوروبا.

ومن المفترض منح صاحب الإقامة المذكورة الحقّ بالتقدّم للاستحصال على الإقامة الدائمة مستقبلاً، وليس من المستبعد أن يسمح للاجئ الذي يتمتع بمؤهلات عالية، التقدم بطلب للحصول عليها، بدلاً من أن يبقى خاضعاً للشروط التي تنطبق على اللاجئ العادي.

إلى ذلك، من المتوقع تخفيض قيمة الدخل المطلوب للاستفادة من شروط الإقامة هذه إلى الثلث، بالإضافة إلى تسهيل عملية لمّ شمل أُسر المستفيدين من هذا الإجراء. بالتالي سيتمكن صاحب هذه الإقامة من التنقّل بحرية، والتخفيف عنه بأقلّ الأساليب البيروقراطية المعتمدة في الدوائر الرسمية في دول الاتحاد الأوروبي. مع العلم أنه في حال اعتماد هذا التوجه، فسيتم دائماً الأخذ بعين الاعتبار الاختصاصات والكفاءات التي يتمتع بها مواطنو الدول الأوروبية أو المتقدمون لتلك الوظائف من دول الاتحاد، مراعاة للخصوصية الأوروبية.

وتقوم فكرة "البطاقة الزرقاء" على منح الأشخاص المؤهلين تأهيلاً عالياً من بلد ثالث، العمل في دول الاتحاد الأوروبي، وتعتبر البطاقة من الطرق الأقصر والأكثر نجاعة، لتحقيق تنظيم الهجرة والانضمام إلى القواعد والأنظمة المعمول بها في أوروبا. مع العلم أن من يستفيد من نظام الإقامة هذه لا يتجاوز عددهم الـ12 ألف إنسان في العام الواحد وأكثريتهم في ألمانيا. كما ستتفاوت قيمة الدخل المطلوب للحصول على الإقامة وفقاً لـ"البطاقة الزرقاء" بين بلد أوروبي وآخر، تبعاً لمستوى الدخل، إنما من المؤكد أن عدد الإقامات من هذا النوع، سيرتفع بشكل ملحوظ. وتشير التقارير إلى أنها ستصل إلى ما بين 32 و137 ألف إقامة سنوياً.

وكانت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ"، قد ذكرت أخيراً أن "دراسة من قبل المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، أظهرت أن ألمانيا تتحضّر لاستقبال مئات الآلاف من طلبات لمّ الشمل من السوريين بشكل خاص"، لافتة إلى أن "التقديرات تشير إلى وصول العدد إلى 500 ألف شخص بين الزوجات والأولاد والآباء والأمهات، فضلاً عن حالات إنسانية أخرى". وأضافت أن "المكتب نفسه كشف أخيراً أن عدد طلبات اللجوء التي لم يُبتّ فيها ازداد أخيراً ليصل إلى 460 ألف حالة، في وقت تشير فيه الأرقام الرسمية إلى دخول حوالي 72 ألف لاجئ إلى  البلاد منذ بداية العام الحالي".

يُشار إلى أن التقرير السنوي لمعهد أبحاث السلام في ألمانيا، الذي صدر أخيراً، انتقد أداء دول الاتحاد الأوروبي تجاه أزمة اللاجئين وتقصيرها في تحمّل مسؤولياتها تجاه الوافدين من الحروب، بعدما واجهوا الموت والاضطهاد الديني والإساءة الشخصية في بلادهم، مع ما يعانونه من فقر وحرمان وهم يصارعون من أجل البقاء. وبيّن التقرير أن ألمانيا وحدها تحملت العبء الأكبر من الأزمة، نتيجة السلوك المخزي لكثير من الدول الأعضاء، حسبما أوضح يوخين هيبلر أحد أعضاء المعهد بجامعة دويسبورغ إيسن.