شراء عقارات أملاً بالعودة إلى العراق

14 فبراير 2018
في بغداد القديمة (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
يصرّ عراقيون  مغتربون على الحفاظ على موطئ قدم لهم في بلادهم. يشترون بيوتاً على أمل العودة يوماً ما، حين تستقر الأوضاع الأمنية. وإن يشعرون بالأمان في الغربة، إلا أنّ الحنين لا يفارقهم 

أكثر من ثلاثة عقود مرت على بدء هجرة العراقيين من بلادهم بحثاً عن الأمان والاستقرار. منذ ذلك الوقت، اتخذ العراقيون من بلدان عدة ملاذاً لهم، وحصل قسم كبير منهم على جنسية البلدان التي وصلوا إليها بصفة لاجئين أو مهاجرين، فيما استقر آخرون في عدد من الدول بصفة مقيمين. وظلّ قسم كبير منهم يتابعون أوضاع بلادهم ويراقبون مستجداته. ورغم الأحداث السيئة التي عاشها العراق بعد الغزو الأميركي في عام 2003، وسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على مناطق واسعة منه خلال السنوات الثلاثة الماضية قبل أن تستعيدها القوات العراقية، ما زال يأمل بعضهم في أن تستقر الأمور في البلاد. وهذا الأمل دفعهم إلى شراء بيوت في مختلف المدن العراقية، إذ إن جلّ ما يتمناه العراقيون هو العودة إلى وطنهم، أو أن يكون لأبنائهم مستقبلاً موطئ قدم في بلدهم الأم، في حال لم يتمكنوا من العودة.

أيمن صبار (27 عاماً) يسعى إلى تحقيق رغبة والده الذي توفي قبل أربعة أعوام في أستراليا، البلد الذي هاجر إليه في عام 1999. يقول لـ "العربي الجديد" إن والده أوصاه بشراء بيت في بغداد، والعودة إليها حين تستقر الأوضاع، والحفاظ على التقاليد العربية. أيمن الذي غادر العراق طفلاً، تمكن أخيراً من ادخار مبلغ يمكنه من شراء أرض سكنية. يضيف: "لم يتمكن والدي من تحقيق حلمه وهو حي، إذ كان مريضاً بالقلب ولا يستطيع العمل. أوصاني أن أجتهد وأدّخر المال الكافي لشراء بيت في بغداد، وتحديداً في الحي الذي ولد ونشأ فيه، وها أنا أسعى إلى تحقيق وصيته بعدما أكملت دراستي الجامعية وحصلت على وظيفة جيدة".

أيمن الذي نشأ خارج وطنه الأم، ما زال يذكر بعضاً من طفولته في العراق. "إضافة إلى ذكرياتي، زرع والداي فيّ وفي إخوتي حب العراق. كان دائم الحديث عن الوطن وبغداد، ولطالما أخبرنا عن أحداث يذكرها. لم يرد أن ننسى بلدنا وجذورنا فيه". ما من إحصائية رسمية حول عدد العراقيين المهاجرين والمغتربين، لكن تقديرات جهات غير رسمية تفيد بأن عددهم بلغ أكثر من 7 ملايين.



رغم استقرار عدد كبير من العائلات العراقية في بلدان مختلفة، إلا أن حلم العودة يبقى هاجساً، بحسب عدد من المغتربين. إبراهيم الجميلي (42 عاماً)، يحمل الجنسية الأميركية، ويقول إنّه يعيش في الولايات المتحدة منذ عشر سنوات، ونجا من الموت بأعجوبة بعد اختطافه من قبل مليشيات مسلحة في بغداد، ليهرب من العراق إلى الأردن. وتقدّم بطلب لجوء إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وحصل على اللجوء في الولايات المتحدة الأميركية.
يقول لـ "العربي الجديد": "في عام 2006، وفي ظل الاقتتال الطائفي، اختطفت من قبل إحدى المليشيات مع مجموعة من الأشخاص، وتعرضنا للتعذيب على مدى يومين، ما أدى إلى إصابتي بكسور في الصدر واليدين، فضلاً عن جروح في الظهر وأورام في كل أنحاء جسدي".

يضيف الجميلي: "المنطقة التي كنت معتقلاً فيها شهدت عملية اقتحام من قبل القوات الأميركية بحثاً عن أشخاص استهدفوا دورية لهم. هرب الأشخاص الذين كانوا يحتجزوننا بعد دخول القوة الأميركية ومداهمتهم البيت الذي كنا محتجزين فيه. وحين رأونا معتقلين، حررونا وأخذونا معهم وعالجونا. وبعد يومين فقط، سافرت إلى سورية وطلبت اللجوء". رغم ذلك، يقول: "سأعود يوماً ما إلى العراق. لن أبقى بعيداً عنه. قبل أشهر قليلة، اشتريت قطعة أرض زراعية في محافظة بابل (100 كلم جنوب بغداد) قرب قرية يقطنها أقاربي".

ولم ينقطع مغتربون عراقيون عن زيارة بلادهم. وحين يأتون إليه، يقضون وقتاً طويلاً في مناطق بغداد القديمة. وغالباً ما تعج مطاعم السمك على ضفاف دجلة في شارع أبي نؤاس وسط العاصمة العراقية بالمغتربين. فهذا الشارع يعبق بالذكريات، ويُعرف بكونه للسهر، ويتميز بمطاعم السمك.



يقول نهاد عبد الرزاق، الذي غادر بلده في عام 1993 إنه يقضي شهراً كاملاً في الصيف في العراق "أحمل الجنسية السويدية. كبر أولادي في السويد لكنهم يعشقون العراق. اشتريت بيتاً في بغداد وآخر في الناصرية، المحافظة التي ولدت فيها. حالما تستقر الأوضاع في العراق ويستتب الأمن سأعود مع عائلتي". يتابع: "نجحت في تنشئة أولادي على عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا الإسلامية والعربية، رغم أننا نعيش في وسط مختلف عنا كثيراً. الكثير من أصدقائي العراقيين المغتربين ينتظرون الوقت المناسب للعودة. حب بلدنا يسري في دمنا، وتغربنا لأننا كنا مجبرين على ذلك".

وتنشط مكاتب العقارات في بغداد ومحافظات أخرى في الترويج لنفسها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. يقول أحمد العبيدي، صاحب مكتب عقاري، لـ "العربي الجديد" إن اتصالات ترده من عراقيين مغتربين في دول مختلفة، يسألونه عن أسعار ومواصفات العقارات، مؤكداً أنه باع عقارات عدة للمغتربين. يضيف أن "شراء عقار يرتبط بالقدرة المادية. وكلّما كانت مرتفعة، يكون العقار وموقعه مميزاً. بعض الميسورين يبحثون عن عقارات، سواء أكانت قطعة أرض أم بيتاً صغيراً في مناطق نشأتهم. هذا ما اكتشفته من خلال تعاملي مع المغتربين"، لافتاً إلى أنهم أكثر ارتباطاً بالأحياء التي نشأوا فيها. يضيف: "بعض المغتربين ذوي الإمكانيات المحدودة أخذوا بنصيحتي وصاروا يشترون في أحياء ما زالت في طور البناء. يريدون ضمان عقار في بلدهم يسكنون فيه مستقبلاً".