شخصيات 2015: الجموع أعظم حضوراً

26 ديسمبر 2015

بوتين وأردوغان وسلمان بن عبد العزيز ودونالد ترامب وميركل

+ الخط -
دأبت منابر اعلامية غربية، تميزت من بينها مجلة تايم، على اختيار شخصية العام مع اقتراب نهاية كل عام ميلادي، مع مشاركة القراء والمتصفحين في الاختيار. ويمثل تحديد الشخصية مناسبة لإعادة تسليط الأضواء على هذه الشخصية، وكانت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. وهو اختيار لائق، فهذه السيدة التي تنتمي لحزب مسيحي محافظ برهنت، في موقفها من اللاجئين، أنها أكثر انفتاحاً وأشد التزاماً أخلاقياً من ليبرالييين ويساريين غربيين وأوروبيين، وأفضل من مواقف غالبية العرب إزاء محنة أشقائهم السوريين.
على أن اختيار شخصية واحدة، يحمل مجازفة الاختزال، وعدم إيلاء فاعلين آخرين ما يستحقونه من اهتمام، فلا يمكن استعادة العام 2015 بدون بروز اسم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي سيّر قواته إلى سورية، واضعاً السياسة الروسية والسلاح الجوي الروسي في خدمة بقاء النظام في دمشق، وبصرف النظر عن مصير الشعب السوري. ومع ذلك، اختارت مجلة أميركية أخرى، هي فوربس، الرئيس الروسي أقوى شخصية في العالم، وللمرة الثالثة من هذه المجلة. "شخصية تفعل ما تريد ساعة تريد". سوف يكشف المستقبل غير البعيد مدى تأثير هذا التصنيف للرجل، على قراره بالتدخل العسكري في سورية نهاية سبتمبر، وخوضه معركة النظام ضد شعبه، وإثارة توتر إقليمي عال مع تركيا. وفي جميع الأحوال، طبع الرجل حضوره على مسرح الأحداث، بما يجعله من شخصيات العام، وساعد على مزيد من التأزيم للأزمة السورية وفتك بمئات المدنيين، ثم أسهم مع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في التوصل إلى قرار مجلس الأمن 2254.
هناك في عالمنا امبراطوريات سابقة ذات ماض استعماري، من أشهرها بريطانيا، وهناك دول كبرى ذات إرث استعماري، مثل فرنسا وإيطاليا واليابان. تنتفخ روسيا الاتحادية بقيادة بوتين بمطامح امبراطورية، وبالتطلع إلى مستقبل استعماري! كان للاتحاد السوفياتي السابق نفوذ ووجود في شرق القارة الأوروبية بغطاء عقائدي كثيف، وقد انهار هذا الوجود بسرعة، وكأنه لم يكن. السيد بوتين الذي خدم في العهد السوفياتي، ثم تحول إلى قومي متدين، يطمح بمجد استعماري لبلاده (في زمن ما بعد أفول الاستعمار..)، وقد جاءت دعوة حاكم دمشق، وكأنها هدية العمر التي لا تتكرّر، وبصرف النظر عن شرعية المُهدي. وقد أطلق بعض العرب في لبنان والعراق، إضافة إلى أوساط سورية، على الرجل اسم: أبو علي بوتين. وتجمع التسمية بين التصنيف الديني الشيعي والتصنيف الاجتماعي، فأبو علي لا يعدو أن يكون قبضاي الحارة، أو حلال المشكلات عند الطلب. أما أكثرية العرب فتنظر إلى بوتين كأبرز صانعي المحنة السورية، فالمدن السورية، حلب وحمص وحماة، تهدمت بأسلحة روسية أربعة أعوام، ولم يضع المُصدّر الروسي أي قيد على استخدامها في الداخل.
وإلى جانبه، هناك أردوغان الذي نجح، في بلاد الأناضول، زعيماً سياسياً مكرساً بموجب إرادة
المقترعين سنة بعد سنة. وخلافاً لإيران وروسيا اللتين تمتلكان قوات في سورية، تظل تركيا لاعباً رئيساً من غير أن تكون لها أي قوات. وتعتبر تركيا من دول العالم القليلة التي استوعبت أزمة اللاجئين السوريين. لدى النظر إلى العام الموشك على الانصراف، فان اسم أردوغان يظهر بوضوح فاعلاً سياسياً كبيراً.
يظهر أيضاً، وبقوة، اسم ملك السعودية، سلمان بن عبدالعزيز. والذي لم تمض سنة واحدة على اعتلاء عرش بلاده، حتى بدا فاعلاً شديد الدينامية على المسرح الإقليمي بتنظيمه تحالفاً عربياً لقتال الانقلابيين الحوثيين المدعومين من إيران، والذين كانوا على وشك تهديد المملكة العربية السعودية عبر البحر الأحمر، ومن ميناء عدن الذي استولوا عليه. نجح الملك سلمان في انتزاع اعترافٍ بشرعية حرب عاصفة الحزم، وما أن قارب العام الجاري من نهايته، حتى تم الإعلان في الرياض عن تحالف إسلامي واسع ضد الإرهاب، يضم غالبية دول المنطقة.
هناك شخصيات فاعلة أخرى، وإن كان حضورها سلبياً، كالمرشح الأميركي غير الرسمي عن الحزب الجمهوري، دونالد ترامب (69 عاماً)، ويعتبر نموذجاً للنجاح الأميركي، أو النجاح على الطريقة الأميركية، فهو رجل أعمال، يقود مؤسسات كبيرة، ويحقق أرباحاً طائلة في القطاع العقاري، وجزء من ممتلكاته ورثه عن والده، والجزء الأكبر صنعه بنفسه. دخل ترامب عالم السياسة من أبواب التلفزيون، وتمويله برامج تلفزيونية. ومنذ وقوع جريمة في باريس، ذاع صيته بقوة خارج أميركا، حين دعا إلى منع كل المسلمين (سُدس عدد البشرية) من دخول أميركا! وأثار تصريحه هذا سخطاً في أميركا لشدة فجاجته وسوقيته. ومع ذلك، لقي هذا المرشح المحتمل إطراء على شخصه من القيادة الروسية، ومن الرئيس بوتين شخصياً! ولم ينل الرجل أي إعجاب ذي شأن خارج أميركا سوى من بوتين الذي أراد استغلال الحملة على ترامب، للوقوف معه ضد منافسيه الديمقراطيين، ولعل أحلام المجد الروسي المتعاظم باتت تزيّن لأصحابها إمكانية التأثير المباشر في الانتخابات الرئاسية لأكبر دولة في العالم. ولدى ترامب استثمارات عقارية وتجارية في بعض بلاد المسلمين، ويأمل المرء أن لا يفاجأ بظهوره مثلاً، في بلد إسلامي، قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/تشرين ثاني 2016.
ليس الأفراد القياديون هم من طبعوا وحدهم 2015 بطابعهم، فثمة ثلاثة جموع تستحق استحضارها. الجمع الأكبر والموزع إلى حشود من اللاجئين، عبر البحر وتحت السماء. اللاجئون معظمهم عرب مع بعض الأكراد. كانت الصورة من المهاجرين غير الشرعيين من شمال إفريقيا. وقد شهد عامنا هذا نزوحاً كثيفاً، عبر البحر من سوريين، قذف بهم الرعب في بلادهم نحو أمواج المتوسط. يتفرج العالم على هذه المحنة، ولا يفكر سوى في صد الهاربين من الجحيم، من دون أن يرتفع صوتٌ ينادي بتأمين عودة هؤلاء إلى بلادهم، وحمل النظام على التوقف عن حربه ضد شعبه.
الجمع الآخر حشود مختارة، وليست كبيرة العدد، وقد لا تتجاوز المائة في كل مرة، وهي حشود الصهاينة المستوطنين الذين يستبيحون المسجد الأقصى في القدس، بصورة شبه دورية. وأبشع ما في هذه الاستباحة نزعة التغليب الديني، تغليب دين على دين بالسطوة المسلحة، وعلى طريقة داعش. علماً أن الإرهاب الصهيوني ذا النزعة الدينية سابق على إرهاب داعش ( تمت محاولة إحراق الأقصى عام 1967 بعد مضي شهور على احتلال القدس).
أما الجمع الأخير الذي يبقى في البال فيضم حشوداً متفرقة في باريس، مساء 13 نوفمبر/تشرين الثاني، حشود في مباراة رياضية، ثم في قاعة حفلات موسيقية، وحشد أقل في مطعم وفي سوبرماركت. بشر عاديون كانوا يمضون سهرات عادية، قبل أن تداهمهم انفجارات، وقتلة يعتلون المسرح. سقط ضحايا ومصابون. وبقيت صورة الرعب تملأ الفضاء. الحق المقدس في الحياة جرى انتهاكه بوحشية، وبطريقة استعراضية مقيتة من طرفٍ يدّعي الإسلام، هو داعش.