أوليفر تايلور، طالب في "جامعة برمنغهام" في إنكلترا في العشرينيات من عمره، وله عينان بنيتان ولحية خفيفة وابتسامة جافة بعض الشيء. تصفه لمحات منشورة على الإنترنت عن شخصيته بأنه عاشق للقهوة ومدمن سياسة نشأ في بيت يهودي تقليدي. وتكشف منشوراته التي يبلغ عددها 6 مقالات وتدويناته على الإنترنت عن اهتمامه بقضايا مناهَضة السامية والشؤون اليهودية، وتقدمه على أنه كاتب حر.
وقد نشرت له مقالات باسمه في صحيفتي "جيروزاليم بوست" و"تايمز أوف إسرائيل". ما المشكلة إذن؟ المشكلة أن أوليفر تايلور شخصية وهمية فيما يبدو. فجامعته ليست لديها سجلات عنه. وليست له بصمة واضحة على الإنترنت سوى حساب على موقع "كورا"، القائم على أسئلة وأجوبة، كان نشطا في استخدامه لمدة يومين خلال شهر مارس/آذار.
وتقول صحيفتان نشرتا كتابات له أنهما حاولتا من دون جدوى التأكد من هويته. واستخدم خبراء في الصور الخداعية برامج متطورة أكدت أن الصورة المنشورة على صفحته تمثل تزييفاً متقناً ممّا يطلق عليه التزييف العميق. ولا تعرف وكالة "رويترز" من يقف وراء تايلور. وكان الرد على مكالمات لرقم الهاتف البريطاني الذي قدمه للمحررين رسالة مسجلة عن خطأ في الاتصال. ولم يرد تايلور على رسائل أرسلت إلى عنوان المراسلة على بريد "جيميل" الإلكتروني.
ونبهت "رويترز" إلى شخصية تايلور الوهمية الأكاديميُّ مازن المصري المقيم في لندن الذي أثار اهتماماً دولياً في أواخر عام 2018، عندما ساعد في رفع دعوى في إسرائيل على شركة الهايتك والبرمجة "إن إس أو"، بالنيابة عن مكسيكيين قيل إنهم ضحايا لتكنولوجيا اختراق الهواتف التي ابتكرتها تلك الشركة.
وكان تايلور اتهم المصري وزوجته الناشطة في مجال الحقوق الفلسطينية ريفكا برنارد بأنهما من الشخصيات المعروفة بالتعاطف مع الإرهاب، وذلك في مقال نشرته صحيفة "ألجماينر" اليهودية الأميركية. وكان ذلك الاتهام مباغتاً للمصري وزوجته، وينفي الاثنان صحته. وتحيّر الاثنان في السبب الذي دفع طالباً جامعياً إلى توجيه الاتهامات لهما بالذات.
قال المصري إنه بحث عن صورة تايلور الموجودة على الإنترنت. وبدا له شيء غريب فيها، لكنه لم يستطع أن يحدد طبيعته. وقال ستة خبراء استطلعت "رويترز" آراءهم إن الصورة فيها خصائص التزييف العميق. وقال رائد تحري صحة الصور الرقمية، هاني فريد، وهو من القائمين بالتدريس في "جامعة كاليفورنيا" في بيركلي إن "ملامح التشوه وعدم الاتساق في الخلفية علامة واضحة على أن الصورة مركبة، وكذلك شوائب قليلة حول عنقه وياقته". وقال الرسام ماريو كلينغمان الذي يستخدم التزييف العميق بانتظام في أعماله إن الصورة فيها كل علامات التزييف. وأضاف: "أنا متأكد 100 في المائة".
تعد شخصية تايلور مثالاً نادراً لظاهرة برزت كسبب رئيسي للقلق في العصر الرقمي، وهي الجمع بين التزييف العميق والتضليل الإعلامي. ويجتذب هذا الخطر اهتماماً متزايداً في واشنطن وفي "وادي السيليكون"، موطن صناعة التكنولوجيا في الولايات المتحدة. العام الماضي، حذر رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، النائب آدم شيف، من أن مقاطع الفيديو المولدة باستخدام الكمبيوتر قد تحول "زعيماً عالمياً إلى دمية لشخص يتكلم من بطنه".
والشهر الماضي، أعلنت شركة "فيسبوك" اختتام مسابقة تحدي رصد التزييف العميق، التي تهدف إلى مساعدة الباحثين على التعرف تلقائياً على اللقطات المزيفة. والأسبوع الماضي، كشفت نشرة "ذا ديلي بيست" على الإنترنت عن شبكة من الصحافيين المزيفين، باستخدام التزييف العميق، تمثل جزءاً من مجموعة أكبر من الشخصيات الوهمية التي تعمل على نشر الدعاية على الإنترنت.
ويبدو أن تايلور لم يكن له وجود على الإنترنت، إلى أن بدأ يكتب مقالاته في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي. وقالت "جامعة برمنغهام" في بيان، إنها لم تستطع العثور على "أي سجل للشخص الذي يستخدم هذه التفاصيل". وقال محررون في صحيفتي "جيروزاليم بوست" و"ألجماينر" إنهم نشروا مقالات لتايلور، بعد أن عرضها عليهم بالبريد الإلكتروني. وأضافوا أنه لم يطلب مقابلاً مادياً، وأنهم لم يبذلوا جهداً كبيراً للتحقق من هويته.
وقال رئيس تحرير "ألجماينر" دوفيد إيفون: "لسنا وحدة استخبارات مضادة"، لكنه أشار إلى أن الصحيفة طبقت ضمانات جديدة بعد تلك الواقعة. وبعد أن بدأت "رويترز" تستفسر عن تايلور، سحبت صحيفتا "ألجماينر" و"تايمز أوف إسرائيل" مقالاته.
وأرسل تايلور رسائل بالبريد الإلكتروني للصحيفتين يحتج فيها على رفع مقالاته، لكن محررة مقالات الرأي في صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، ميريام هيرشلاج، قالت إنها صدته بعد أن فشل في إثبات هويته. وقال إيفون إنه لم يرد على رسائل تايلور. وأبقت "جيروزاليم بوست" وموقع "أروتز شيفا" على الإنترنت على مقالات تايلور، رغم أن الموقع شطب الإشارة إلى المصري وزوجته باعتبارهما من المتعاطفين مع الإرهابيين.
ولم يرد رئيس تحرير "جيروزاليم بوست"، ياكوف كاتز، عندما سئل عما إذا كانت مقالات تايلور ستبقى. أما رئيس تحرير "أروتز شيفا"، يوني كيمبنسكي، فقال إن منافذ إخبارية تستخدم في حالات عدة أسماء مستعارة على مقالات الرأي. وامتنع عن الخوض في التفاصيل عما إذا كان يعتبر تايلور اسماً مستعاراً.
ولم يحدث تفاعل يذكر مع مقالات أوليفر تايلور على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن هيرشلاج من صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" قالت إنها لا تزال خطرة، ليس لأنها تشوه الخطاب العام فحسب بل لأنها يحتمل أن تجعل من هو في مثل موقعها أقل استعدادا للمجازفة بنشر مقالات لكتاب مغمورين.
(رويترز)