يقفون لساعات في صفوف طويلة ويتحملون الشمس الحارقة، على أمل سحب النقود من الصرّافات الآلية في العاصمة السودانية. أحياناً يتمكنون من ذلك، فيما لا يحالفهم الحظ في مرات أخرى.
فقد بات الحصول على السيولة أمرا بالغ الصعوبة في السودان، البلد الغارق في أزمة اقتصادية أطاحت عمر البشير من الرئاسة تحت ضغط الشارع.
ويضاف ذلك إلى لائحة طويلة من صعوبات الحياة اليومية للسودانيين: انقطاع الكهرباء، شح في الوقود وغلاء... ضمن صعوبات أخرى.
بهدوء، تقف حليمة سليمان في صف نسائي لا ينفك يطول أمام مصرف في شارع أفريقيا: "عبثاً أحاول منذ ثمانية أيام، ولكنني آمل أن تسير الأمور اليوم".
وقد انتشر كالنار في الهشيم خبر وصول شاحنة نقل أموال إلى هذا الفرع المصرفي، ما أدى إلى احتشاد الناس على الفور.
ولكن في هذه المرة، تدخل قليلاً إلى حجرة الآلة الصغيرة، لتخرج حاملة رزمة أوراق نقدية والابتسامة تعلو وجهها.
برغم أنّ السحب محدد بسقف ألفي جنيه سوداني يومياً (40 دولارا تقريباً)، فإنّها تقول إنّ ذلك أفضل من لا شيء. وتضيف "سيكون الإفطار أدسم هذا المساء".
اقتصاد مستنزف
ضاعف الفساد المعمم، كما القمع المنهجي والحروب الداخلية الصعوبات الاقتصادية في عهد عمر البشير.
وحمل انفصال الجنوب عام 2011 ضربة قاسية إلى الاقتصاد، إذ حُرِمت البلاد من ثلاثة أرباع احتياطاتها النفطية ومن معظم عائداتها من الذهب الأسود.
رُفع هذا الحصار عام 2017، غير أنّ البلد بقي على اللائحة الأميركية السوداء للدول الداعمة لـ"الإرهاب"، ما أعاق تدفق الاستثمار الأجنبي على البلاد.
وسجل السودان تضخماً بلغ نحو 70%، فيما تراكمت الديون الخارجية إلى أكثر من 55 مليار دولار.
ويُعدّ البلد واحداً من أكثر دول العالم فقراً ويحتل المركز 167 من أصل 189 في تقرير الأمم المتحدة لعام 2018، فيما يتوقع صندوق النقد الدولي نمواً سلبياً بـ2.3% لعام 2019.
وفاقمت 4 أشهر من الاحتجاجات الأوضاع، فأربكت قنوات توزيع السيولة وخلفت نقصاً ما أدى إلى طفرة في أسعار الاستهلاك، بحسب اقتصاديين محليين.
وما يزيد من أزمة السيولة هبوط قيمة الجنيه و"افتقار الثقة بالنظام المصرفي"، وفق ما يشرح لـ"فرانس برس" أستاذ المالية والاقتصاد في جامعة الخرطوم، إبراهيم أونور.
رفض البطاقات والشيكات
خفضت قيمة الجنيه السوداني 3 مرات عام 2018. فالدولار الواحد كان يساوي، بحسب سعر الصرف الرسمي عام 2017، 6.75 جنيهات مقابل 47.5 حالياً (55 في السوق السوداء).
ويأسف التاجر منتصر الرفاعي (30 عاماً)، إذ يقول: "وضعت مالي في المصرف ولكنني لم أعد أستطيع سحبه، وإذا تمكنت فيكون ذلك بكميات قليلة".
ويعرب عن أسفه أيضاً لأن دفتر الشيكات الخاص به لم يعد يفيد بشيء، إذ لا أحد سيقبل بهذه الوسيلة في وقت ترفض فيه المصارف عمليات التجيير.
كما لم تعد المتاجر ومقدمو الخدمات يقبلون بالبطاقات المصرفية ويفضّلون الدفع نقداً كما يؤكد صاحب مطعم آسيوي لا يريد ذكر اسمه، ويؤكد تراجع أعماله بنسبة 50%.
ويشرح أنّ "غالبية الموزعين باتوا يرفضون البطاقات المصرفية والشيكات"، ما يصعّب عليه بالتالي قبول هذه الوسائل.
والنقص في السيولة ليس بجديد في السودان، فقد كان قائما قبل بدء التظاهرات ضد البشير.
ويعتقد البعض مثل هاشم عبدالله، وهو موظف يبلغ 45 عاماً، أنّ المساعدة البالغة قيمتها 3 مليارات دولار التي وعدت بها السعودية ودولة الإمارات قد تمتص أزمة السيولة.
غير أن إبراهيم أونور يعتبر أن "هذه المساعدة غير كافية إلى حد بعيد، بالنظر إلى الاحتياجات الحالية".
(فرانس برس)