سنوات من الحصار فرّقت بينهم، ليجتمع شتاتهم، ولو مؤقتا، بعد تهجير أهلهم وذويهم نحو الشمال السوري؛ شبان من ريف حمص والغوطة الشرقية يجتمعون بذويهم بعد سنوات من ذهابهم للعمل في تركيا، ومد يد العون لهم.
ابن الغوطة الشرقية يوسف حسين (31 عاما) يصف في حديثه لـ "العربي الجديد" لحظات عبوره إلى سورية ورؤية والده ووالدته قائلاً "أشعر بأنني كنت مبعدا عنهم لعشرين أو ثلاثين عاما، أمي لم تتمالك نفسها من البكاء، ووالدي دب الشيب في رأسه، أما أخي فقد كبر وتغيرت ملامحه وأصبح لديه طفل يحمل اسمي، سنوات فرقتنا عن بعض لنجتمع بمدينة ليست مدينتنا هي مدينة الباب بريف حلب، ولعلّ تلك اللحظات هي الأكثر سعادة في حياتي".
ويضيف حسين "في كل مرة أتواصل فيها مع أمي كانت توصيني بأن أعتني بصحتي، وتدعو لي وتبكي في بعض الأحيان، وتردد: إلى متى سيبقى لقاؤنا عبر هذه الشاشة فقط؟"، منذ خمسة أعوام لم أقبل يد والدي أو جبين أمي أو أرى أخي ولم أحضر زفافه، كنا نمضي صباح كل عيد بالبكاء، ودعاء الله أن يجمعنا، ونواسي أنفسنا بأن الأيام القادمة ستكون أفضل".
ويردف حسين "صحيح أنها فترة قصيرة سأمضيها معهم، وسأضطر بعدها للعودة إلى عملي في تركيا، لكنها جميلة بكل معنى الكلمة، وأول مرة منذ سنوات أتحدث مع والدي وجها لوجه وأشرب معه الشاي ويخبرني كيف مضت عليهم سنين الحصار وكيف مرت عليهم المجازر. وأحدث أخي عن عملي في تركيا والساعات الطويلة فيه، وكيف أعود متأخرا لإعداد طعامي".
أما بالنسبة إلى ابن مدينة حمص، سالم عبد الله (33 عاما)، فإن لقاءه بأهله كان مفاجأة بحد ذاتها، وقضى أياما يترقبه ويفكر كيف سيكون الطريق من معبر باب السلامة، ثم إلى مدينة جرابلس حيث يقيم أهله حاليا. ويقول: "أمضيت أسبوعا كاملا أتجول بين المحال التجارية في مرسين، أبحث عن هدية لأمي وأخرى لأبي وأختار أجمل الملابس لأولاد أختي الصغار الذين كبروا وتعلموا اللفظ بعد أربع سنوات مضت على فراقهم". .
ويقول عبد الله لـ "العربي الجديد": "في الليلة التي سبقت ذهابي باتجاه معبر باب السلامة لرؤيتهم، لم أستطع النوم مطلقا، وبعد قرابة سبع ساعات التقيت بهم، وهنا لم يستطع أحد منا تمالك نفسه، احتضنت أبي وأمي، وسلمت على أختي وقبلت أطفالها، وبالفعل لحظات لا يمكن نسيانها، أرجو ألا أعيش مأساة وتجربة الفراق مرة ثانية في حياتي، إنها تجربة قاسية ومحزنة بكل معنى الكلمة يتشاركها الكثير من السوريين الذين أبعدهم النظام السوري عن ذويهم".
في المقابل، يعرب سعيد عمار (24 عاما) لـ"العربي الجديد" عن حزنه بسبب ظروف منعته من الدخول لزيارة أهله وأخوته المهجرين من ريف حمص الشمالي الذين استقروا في إحدى البلدات قرب الحدود السورية التركية في ريف إدلب، ويوضح: "بعد الحصار الذي فرضه النظام على الريف الشمالي عام 2013 سلكنا أنا وأخي إحدى طرق الموت كوننا مطلوبين للنظام في منتصف عام 2014، ودفعنا حينها مبلغ خمسين ألف ليرة سورية عن كل واحد منا، ثم عبرنا إلى تركيا حيث أقمنا بمدينة الريحانية لمدة ثلاثة أشهر، لم يكن هناك عمل جيد من الممكن لنا أن نكسب قوتنا منه، لنقرر بعدها الذهاب إلى إسطنبول، ومع هذا القرار بدأت الأفكار تراودني هل من الممكن لي رؤية والدي ووالدتي وشقيقاتي؟ وجدت عملا جيدا في مدينة إسطنبول لكنه شاق، إذ أخرج من المنزل عند السابعة صباحا لأعود قرابة التاسعة والربع مساءً، وفي بعض الأيام لا أجد متسعا لإجراء مكالمة فيديو على تطبيق واتساب لرؤية أمي وأبي، وتمتد الفترة لأسبوع بسبب ظروفي وظروفهم الصعبة في ذلك الوقت".
ويكمل الشاب العشريني حديثه قائلا: "بعد اتفاق التهجير الذي حصل في ريف حمص الشمالي تملكني شعور بالحزن مع الفرح في وقت ذاته، فهي الفرصة الوحيدة التي قد تسمح لي برؤية أهلي بعد وصولهم إلى الشمال، لأن عودتي إلى المنطقة قبل الحصار تحتاج إلى ثروة بالنسبة لي، وفعلا قررت الذهاب بزيارة لهم ضمن زيارة عيد الأضحى، لكن هنا كانت المشكلة، ليس هناك زيارة أقل من شهرين، ورفض صاحب العمل في تركيا أن أغيب كل هذه المدة".
ويضيف "كان الأمر الأسوأ أنني علمت بالأمر بعد وصولي إلى مدينة الريحانية قرب معبر باب الهوى مع سورية، وكنت قد رتبت أموري للدخول، لكن الظروف شاءت ألا أستطيع لقاءهم هذه المرة، وفي المرة المقبلة سأذهب ولو كلفني هذا عملي".